ها قد مضت خمس سنوات؛
خمسةٌ من فصول الصيف
مع خمسة من فصول الشتاء الطويلة
مضتْ
وأعود، فأسمعُ من جديد
هذه المياه المتدفقة المتدحرجة
من ينابيعها في الجبال
بخريرها الحلو الناعم..،
ومرة أخرى أنظر وأشاهد
هذه الصخور الشاهقة المنحدرة،
التي تبعث بمنظرها الرائع المنعزل
تأملات وأفكاراً
من عُزلة أعمق وأصعب سبرا.
وتتصل روعة المنظر الطبيعي
بسُجوّ السماء وهدوئها
لقد عاد اليوم الذي فيه أعود،
ومرةً أخرى أستريح
تحت شجرة الجميّز المعتمة،
وأجول بنظري على هذه الفَسَحاتِ
من الأرض المزروعة بالأكواخ،
وعلى هذه البساتين بما فيها من أشجار
مرتديةٍ في هذا الفصل مع ثمارها غير الناضجة
لوناً واحداً من الخضرة،
وضائعة منتشرة في وسط الغابات والآجام..
وأرى هذه المزارع بمراعيها
خضراء حتى الأبواب
وضفائر الدخان متلوّية مسترسلةً في صعودها
بهدوء وصمتٍ بين الأشجار..
بإشارة تُعلن، ولا تكاد تُبين
عن سكانٍ متشرّدين،
في الغابات التي لا سكنَ فيها،
أو عن كهفٍ لناسكٍ جالسٍ وحده قُرْبَ النّار..
هذه الأشكال الجميلة الرائعة،
لم تكن لي، بعد غياب- طويل،
كما يكون المنظر الطبيعيّ لعيني رجلٍ أعمى،
فكم من مرة، وأنا في غرفتي المنفردة،
وفي وسط ضجيج المدينة،
كنتُ مديناً لها في وقت تعبي وعيائي
بمشاعر عذبةٍ أشعر بها في دمي
وأحسّ بها تسري في فؤادي
وتعبّرُحتى إلى أنقى حالةٍ من نفسي وتفكيري
بقوة متجددة مطمئنة..
كما كنتُ، حسبما أعتقد، مديناً لها
بمنحة أخرى ذات مظهر أسمى وأسنى:
بذلك المزاج والحالة النفسية المباركة
التي تخفف من فداحة حمل هذا السرّ
سرّ الكون العصيّ الذي لا يُدرَك
ومن عبئه الباهظ المتعب،
تلك النفسية المباركة الصافية
التي تقودنا فيها أقدامُ المحبّة برفق
وتسير بنا حتى ننام..
تعلّمتُ أنْ أنظر إلى الطبيعة
لا كما كنت أنظر إليها في زمن الحداثة الخالية اللاّمبالية،
ولكن بأن أسمع مراراً موسيقا الإنسانية المحزنة الهادئة،
غير الخشنة ولا المزعجة المخدّشة،
ومع ذلك لها قوة عظيمة قادرة
على أن تعاقب بالمحن وتقهر وتُخضع .
وكنت أشعر بوجود يقلقني
بمرح أفكارٍ متعالية متسامية ،
وإحساسٍ سامٍ عُلويّ
لشيءٍ أعمق في تداخله وتشابكه
مقره في نور الشمس الغاربة،
والمحيط المتّسع والهواء الحيّ
والسماء الزرقاء، وفي ذهن الإنسان..
وأشعر بالحركة والروح التي تدفع وتحرك كل الأشياء المفكرة
وكل مقاصد ومآرب الفكر وتنداح وتبعث في كل الأشياء..