الحيـاء: خـط الدفـاع الأول للمسلـم!

[center]
الحياء: خط الدفاع الأول للمسلم

نعيش في هذا الزمان حيث كثرت الفتن والمنكرات والمُلهيات، وكلُ شخصٍ منّا يكتنفه الخوف على نفسه أو على أبناءه أو على أسرته مِن هذا الزمان وما يحدث فيه من أمورٍ تجعل الحليم حيرانا!
فما هو السبيل لتحصين النفس وتحصين الغير من هذه الأخطار المحدقة بالمرء ودينه؟
لا تخف لست بحاجة إلى تكلُّفٍ وتشدُّدٍ، والمسألة ليست بذلك التعقيد، لست بحاجةٍ إلى إختصاصي ولا غيره، هي مسألةٌ بسيطةٌ لا تكاد تأخذ منك إلا بعض الجهد النفسي ليس إلا، أنه الحياء، نعم الحياء هو خط الدفاع الأول ضد هذه المغريات والمنكرات.
كيف يكون ذلك؟
الحياء قد يُرادفه في ذات المهمة الخوف، ولكن لماذا الخوف هو المتداول دائماً في رفض هذه المنكرات، لماذا غالباً ما نسمع التخويف والتهويل من المنكرات والفتن ؟ لماذا لا يكون لك طريُقٌ آخر مُتقدمٌ على طريق الخوف؟ لماذا نجعل من حياتنا وأمور عباداتنا متوقفةٌ على الخوف والوجل من النار أو من رؤية الناس لنّا ؟

قد يقع على الدُعاة إلى الله مسؤولية في استشراء هذه الحالة، ولكن يقع علينا نحن المجتمع مسوؤلية كذلك. ولا يهمنا على من تقع المسؤولية بقدر ما تهمنا ما هو العلاج ضد الفتن والمنكرات بالتوازن مع الخوف حيث يجعل الخوف والرجاء متوازنان معاً. كما ذكرناه في الأعلى: أنه الحياء.
والحياء هو إمساكٌ يحس المرء به في ذاته يحمله على ترك كل ما يُعاب ويُستنكر.
ألا تراه نافعاً؟
ما هو القاسم المشترك بين إقتراف الشاب للفاحشة وخروج الفتاة كاشفة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وإقتراف السرقة والإعتداء على الناس؟
هناك الكثير من المشتركات، ولكن إختفاء الحياء أراه مُقدماً على كل تلك المشتركات، فالشاب الذي أقترف الفاحشة لو كان يستحي من الله ومن الناس لم عرض نفسه لهذه المعصية، والفتاة عندما تخرج كاشفة لو كانت تستحي لما خرجت متبرجة لتستشرفها أعين الناس، وشارب الخمر لو كان عنده حياء لم أقدم على شرب الخمر خوفاً من إفتضاحهِ ورؤية الله له في تلك الحالة المُزرية، والعاق للوالدين لو كانت لديه ذرةٌ من الحياء لم مدّ يديه على أبيه أو صرخ في وجه أمه، والسارق حيث يسرق يكون قد تجرد من الحياء وخرج يتبجح بذاته وهي خالية من الحياء!
فهل رأيت ما هي أهمية هذا الخُلقٌ العظيم؟!

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان ) ، أنظر إلى ذلك الحديث، الحياء يقودك إلى الإيمان، والإيمان بذاته يقودك إلى الإلتزام بطاعة الله تعالى والبعد عنه معاصيه، فالحياء ليست تلك الصفة التي ينظر إليها البعض أنها من خوارق الرجولة أو موانع الشهامة، بل هي شُعبةٌ وفرعٌ رئيسيٌ من فروع الإيمان.
الحياء كذلك لا يجعلك بعيداً عن معاصي الله تعالى فحسب، بل يوصلك إلى درجات الإيمان العُليا! نعم يفعل ذلك وزيادة ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( الحياء والإيمان قُرَنَاء جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر ) ، فهل عرفت كيف تزيد من إيمانك؟!

عثمان بن عفان الصحابي الجليل، الكل يعرفه ويترضى عليه، فما أوصل عثمان إلى الدرجة، أنها صحابته للنبي عليه الصلاة والسلام وشدة إلتزامه بطاعة الله تعالى والبعد عن نواهيه ، وتزينه بالصفات الحميدة، ومن أكثر هذه الصفات تعريفاً بعثمان هي صفة الحياء ، قالت عائشة –رضي الله عنها- : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي ، كاشفا عن فخذيه . أو ساقيه . فاستأذن أبو بكر فأذن له . وهو على تلك الحال . فتحدث . ثم استأذن عمر فأذن له . وهو كذلك . فتحدث . ثم استأذن عثمان . فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسوى ثيابه - قال محمد : ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث . فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له . ولم تباله . ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله . ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك ! فقال " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة" ) . وفي رواية أنه قال لعائشة: ( إن عثمان رجل حييّ ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته ) .
وقال عليه الصلاة والسلام: ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان... )
وقال: ( أشد أمتي حياءً عثمان )

انظر إلى ذلك! أكثر من حديثٍ يُمجد عثمان –رضي الله عنه- بالحياء! نعم أنه الحياء الذي أصبح عملة نادرةً هذه الأيام، فأين نساء اليوم من هذا الحياء؟ وأين رجال هذا الزمان من هذه الخصلة التي ترفع الرجل ولا تضعه.

الحياء كما قُلناّ هو خط الدفاع الأول ضد الفتن والمعاصي، فلقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أبغض الله عبدا ، نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء ، لم تلقه إلا بغيضا متبغضا ، ونزع منه الأمانة ، فإذا نزع منه الأمانة ، نزع منه الرحمة ، وإذا نزع منه الرحمة ، نزع منه ربقة الإسلام ، فإذا نزع منه ربقة الإسلام ، لم تلقه إلا شيطانا مريدا ) - جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي ص: 496 الحديث العشرون -.
فأنظر كيف جعل هذا الحديث الشريف من الحياء مانعاً من فقدان الأمانة والرحمة وربقة الإسلام، ومُسهلاً لغضب الله والشيطنة!!
فأنظر إلى حالك: هل أنت بقادرٍ على غضب الله؟ طبعاً: لا، إذاً عليك بالحياء تمسك به وأحذر أن تفقده ، فإن الحياء خيرٌ كله.
قال عليه الصلاة والسلام: ( الحياء خير كله ) .
وأعلم أنه لا خير في رجلٍ قد خلى جوفه من هذه الصفة الحسنة، لأنه من لم يستحي من الله فلا خير فيه لا لنفسه ولا للناس ، فضد الحياء هو كل قبيحٍ ومنكرٍ يستحله الرجل، فلقد عليه الصلاة والسلام : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي ، فاصنع ما شئت ) ، وهناك في هذا الحديث فائديتن:
الأولى: أن الحياء صفة نبوية قديمةٌ متداولة أمتاز بها الصالحون منذ القرون الأولى.
الثانية: أن الحياء صمامُ أمانٍ ضد المنكرات وسدٌّ منيعٌ ضد الفتن والمعاصي.
وكما قال الشاعر:
إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي ** ولم تستحِ فاصنع ما تشـاءُ
يعيش المرء ما استحيا بخيـر ** ويبقى العود ما بقي اللحـاءُ
وأبتعد عن دروب قِلال الحياء فإنه لا خير يُرجى منهم، كما أن الحياء حافظٌ للصداقة والمودة فإن سقط الحياء فأعلم أنه لا حافظ ولا مانع من إعتداء ذلك الشخص عليك، ولقد صدق الشاعر حين قال:
حياؤك فاحفظه عليك فإنــما ** يدلُّ على فضل الكريم حيــاؤه
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيــاؤه ** ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ مـاؤه

فالحياء هو الحلّ لهذا الخوفٌ المتزايد على أنفسنا وعلى أهلينا من المعاصي والذنوب، والحياء هو خط الدفاع الأول.
والله نسأل أن يبارك لنّا ويبارك علينا، وأن يجعل من أهل الحياء. وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحابته.