السلام عليكم ورحمة الله
سأعرض باذن الله الرؤية العلمية لحكم القراءة بالتنكيس في ثلاث اجزاء من خلال البحث الذي انجزه
أ . محمد بن فنخور العبدلي
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( سورة آل عمران 102 )
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )( سورة النساء 1 ) ، وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )( سورة الأحزاب 70 - 71)
أما بعد
المسلم معلق قلبه بالقرآن ، ولا غرابة في ذلك فالقرآن كلام الله الذي المنزل على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الروح الأمين جبريل عليه السلام ، لا يأتيه باطل ، ذلك القرءان الذي هو كلام الله القديم ، كلام الله المنزل غير مخلوق ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (إبراهيم 1) ، كتاب الله الذي نحن متعبدون بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ) ( فاطر 29 ) ، القرآن الكريم مقوم للسلوك ، ومنظم للحياة ، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، قال تعالى ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) (البقرة 23 ) ، قرآن مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مسموع بالآذان ، فالاشتغال به عبادة ، فكل حرف منه بعشر حسنات ، والله يضاعف لمن يشاء : قال َرسولُ الله صلى الله عليه وسلم ( مـَنْ قـَرأ حـَرْفـَاً مـِنْ كـِتابِ الله ِ فـَلـَهُ حـَسـَنـَة والحـَسـَنـَةُ بـِعـشر ِ أمثالِها لا أَقولُ ، ألم حـَرْفٌ ، ولـَكـِنْ ألـفٌ حـَرْفٌ ، ولامٌ حـَرْفٌ ، ومـِيمٌ حـَرْفٌ )( رواه الترمذي ) ، في القرآن علم كل شيء ، أحكام وشرائع ، أمثال وحكم ، مواعظ وتأريخ ، قصص وعبر ، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها ، وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( أخرجه الدارمي )
القرآن كتابنا ، دستورنا ، نبراسنا ، قراءته عز وفلاح ، فعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال ( مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها )( رواه البخاري )
القرآن شفيع يوم القيامة : قال رَسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرؤوا القرآن فـَإنهُ يـَأتيِ يَومَ القِيامةِ شـَفيعاً لأصْحَابه )( رواه مسلم ) ، صاحب القرآن خير من غيره : قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خـَيْرُكم من تـَعـَلـمَ القُرْآن وعَلـَّمه )( رواه البخاري ) ، القرآن عمار للقلوب : قال رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم ( إنَّ الَّـذي لـَيسَ في جـَوفهِ شـَيء من َ القرآن ِ كالبـَيْتِ الخـَرِبِ ) ( رواه الترمذي ) ، هذا هو القرآن الكريم لا غنى للمسلم عنه قراءة وحفظاً وتلاوة وسماعا
فإذا كان القرآن كذلك فعلينا احترامه وتوقيره وتقديره قراءة وتلاوة وحملا وحفظا ، ومما يخالف ذلك تنكيسه عند قرائه ، والتنكيس كما سيتضح معنا أنواع منه الجائز ومنه المحرم ومنه المكروه كما سيأتي بإذن الله تعالى
فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
معنى التنكيس
التنكيس في القراءة معناه أن يقرأ سورة ثم يقرأ التي قبلها في ترتيب مصحف عثمان رضي الله عنه أو ان يقرأ في الركعة الأولى بآخر القرآن ، مثلاً : سورة الناس ، وفي الركعة الثانية يأتي من أعلى القرآن من عند سورة عم يتساءلون أو غيرها
فالتعريف اللغوي :
هو قلب الشيء على رأسه
والتعريف الشرعي : قراءة المتأخر قبل المتقدم من القرآن يسمى تنكيساً
جاء في لسان العرب : النَّكْسُ : قلب الشيء على رأَسه ، نَكَسَه يَنْكُسُه نَكْساً فانْتَكَسَ ، النَكْس في الأَشياء معنى يرجع إِلى قلب الشيء ورده وجعل أَعلاه أَسفله ومقدمه مؤخره ، وفي القاموس المحيط نَكَسَهُ : قَلَبَهُ على رأسِهِ ، وفي العباب الزاخر نَكَسْتُ الشَّيْءَ أنْكُسُه نَكْساً : قَلَبْتُه على رأسِه ، وفي الصّحّاح في اللغة
نَكَسْتُ الشيء أنْكُسُهُ نَكْساً : قلبته على رأسه فانْتَكَسَ ، ونَكَّسْتُهُ تَنْكيساً، والناكِسُ : المُطأطئ رأسه ، وفي مقاييس اللغة : النون والكاف والسين أصلٌ يدلُّ على قَلْب الشّيء ، منه النَّكْس : قَلبُك شيئاً على رأسه ، قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى :وأصل معنى التنكيس : جعل أعلا الشيء أسفله ، وقال الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه بجامعة القدس : التنكيس مأخوذ من النكس وهو قلب الشيء ورده وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره ، والتنكيس في قراءة القرآن له معنيان هما :
1- أن يبدأ من آخره أي من المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة ويختم بالفاتحة
2- أن يبدأ من آخر السورة فيقرأها إلى أولها مقلوباً