منتديات نجوم القل
اهلاوسهلا بك في بيتك نتمي ان تسجل معنا وتشاركنا افكارك
منتديات نجوم القل
اهلاوسهلا بك في بيتك نتمي ان تسجل معنا وتشاركنا افكارك
منتديات نجوم القل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات نجوم القل


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الطريق إلى حسن الخلق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
fati usma
عضو مجتهد
عضو مجتهد
fati usma


جديد
العذراء عدد المساهمات : 207
نقاط التميز 9696
السٌّمعَة : 101
تاريخ التسجيل : 17/09/2011
العمر : 33
mms بكاء

الطريق إلى حسن الخلق Empty
مُساهمةموضوع: الطريق إلى حسن الخلق   الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 21, 2011 6:06 pm

[center]الطريق إلى حسن الخلق

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرياض
14/8/1424
جامع الإمام تركي بن عبد الله

ملخص الخطبة:
1-
بعثة النبي لإتمام مكارم الأخلاق. 2- فضل الخلق الحسن. 3- أسباب حسن الخلق.
4- الأسوة الحسنة. 5- التمرّن على الأخلاق الفاضلة. 6- من ثمار حسن الخلق.
7- الكفّ عن مساوئ أموات المسلمين. 8- التحذير من العجب والغرور والحكم
على الناس.


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى
آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله،
إنّ الله بعثَ محمّدًا ليقرِّرَ الأخلاقَ الفاضلة، ويقِرَّ الأخلاقَ
الكريمة، فهو صاحبُ الخلُق العظيم، قال الله جلّ وعلا في مدحِه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وقال جلّ وعلا: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159]، وقال جلّ جلاله: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].
أيّها المسلم، إنَّ الخُلُق الكريمَ يدلّك على كلِّ خَير وينأَى بك بتوفيقٍ من الله عن كلِّ سوء، يقول نبيّنا : "إنَّ مِن خيارِكم أحاسنَكم أخلاقًا"[1]، وقال أيضًا : "ألا أخبِركم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة؟" فسكت الصّحابة رضي الله عنهم، ثمّ أعادها النبيّ مرّتين أو ثلاثًا، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "أحسنُكم أخلاقًا"[2].
لمّا
بُعِث النّبيّ أرسَل أبو ذرّ أخاه فقال: انظُر لصاحِب هذا الوادِي ماذا
يقول، فرجع وقال: وجدتُه يدعو إلى مكارمِ الأخلاق[3]، قال أنس بن مالك رضي
الله عنه: كان رسول الله أحسن النّاس خلُقًا[4].
أيّها المسلم،
عليك بحسنِ الأخلاق، فإنّ حسنَ الخلق من البرّ، وفي الصّحيح: "البرُّ حسنُ
الخلق"[5]. عليك بحسن الخلق، فحسنُ الخلقِ كمال الإيمانِ، ففي الحديث يقول
: "أكملُ النّاس إيمانًا أحسنُهم خُلقًا"[6]. حسنُ الخلقِ وصيّة نبيّك ، فيقول في وصيّته لمعاذ: "اتّق اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِع السيّئة الحسنةَ تمحُها، وخالق الناسَ بخلقٍ حسن"[7] فتلك وصيّة نبيّك .
أيّها المسلم،
إنّ لحُسن الأخلاق أسبابًا، فمِن أعظم تلكم الأسباب الالتجاءُ إلى الله
والتضرّع بين يديه، وأن تستعينَ به في كلّ ما أهمَّك من أمر دينك ودنياك، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]، وفي الدعاء يقول : "اللهمَّ اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت، واصرِف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلا أنت"[8]، وفيه: "اللهمَّ كما حسَّنت خَلقي فحسِّن خُلقي"[9].
وأداءُ فرائض الإسلام تعين العبدَ على مكارم الأخلاق، والله يقول: (وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ) [البقرة:45]، ويقول جلّ وعلا: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]. وأداءُ الزكاة بالإحسان إلى عبادِ الله خلُق عظيم، (خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103]. وصومُ رمضانَ أو الصّيام عمومًا جُنّة للعبد من عذاب الله ومن أسباب سخَطه.
جاهِد نفسَك ووطِّنها للأخلاق الفاضلة، واصبِر على مساوئ أخلاقِ الناس، (وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69]، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ) [البقرة:153]. اقبَل من النّاس معروفَهم وإن قلَّ، واقبَل منهم فضلَهم وإن قلّ، (خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ) [الأعراف:199].
ابتعِد عن السِّباب والشّتام، وانأَ عن الأقوال البذيئة، فليسَ المسلم
بالسَّبَّاب ولا باللّعّان، ولا بالفاحش ولا البذيء. خالقِ الناسَ بالخلق
الحسَن، (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83].
أيّها المسلم، لا تخُض مَع الجاهلين في جهلهم، وقابِل إساءَتهم بالحُسنى، (ٱدْفَعْ
بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ) [فصلت:34، 35].
فالمؤمن حقًّا ذو خُلقٍ كريم، ذو حِلم ورِفق وأناءَة، في دعوته إلى ربّه
وفي تعامُله مع عبادِ الله، فأخلاقه الكريمة وفضائله تجعل الناسَ يثِقون به
ويطمئنّون إليه، فلا يرَونَ ذا غضبٍ وحماقة، ولا ذا حِقدٍ وكراهيّة للناس،
بل يرون رَجلاً فاضلاً، يحمِل خلقًا كريمًا وحبًّا ونُصحًا وتوجيهًا، لا
يحمِل حِقدًا ولا غلاّ، ولكن يحمِل العفوَ والصفحَ والإعراض، (وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]. إنّ لهم فِي رسول الله الأسوةَ الحسنة والقدوةَ الصالحة في صبرِه وتحمّله وعدمِ انتصاره لنفسه، (لَّقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو
ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].
فمحمد قدوةٌ للدّعاة والنّاصحين، أسوةٌ حسنة في أخلاقه وفي صبرِه وفي
تحمّله وفي تعليمِه للجاهِلين، فالجاهل يجِد لدَيه النّفسَ الطيّبة والخلقَ
الكريم، فما زالت تلك الأخلاق حتى أرسَت في قلوب المؤمنين محبّةَ هذا
النبيّ الكريم، محبّتَه وموالاتَه ونصرتَه ، والله يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
أيّها المسلم،
إنّ من يعامل الناسَ لا بد أن يلقى منهم أذًى، ولا بدّ أن يجِد منهم
اختلافًا في الطّباع والأخلاق، فوطّن نفسك على الخلق الكريم، على الصبر
وعلى الحِلم والعفو، (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) [الشورى:43]. إياك أن يستخفَّك الشيطان، فيحسِّن لك الطيشَ والحماقة والغضب، فتتحمَّل المصائبَ وتندم ولا ينفع النّدم.
روِّض
نفسَك على الحِلْم والصبر والعفو، وطهِّر قلبك من أن يصرَّ على حِقد أو
كراهيّة للمجتمع، فمن طهر قلبُه وسلم من الغلّ والحِقد عاش بخيرٍ وفي سعادة
وطمأنينة، والله يقول في دعاء المؤمنين أنهم قالوا: (وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].
أيها المسلم،
لئن كانتِ الأخلاق طباعًا يُجبَل عليها بعضُ النّاس، لكن على العبدِ أن
يسعى جهدَه في الأخلاق الكريمة، في التخلّقِ بها والعملِ بها، فعسى الله أن
يمنَّ عليه بخُلق كريم يعيش به في حياته. فالأخلاق الكريمة التي دعا
الإسلام إليها من عفو وصفحٍ وحِلم، دعا إلى صلةِ الرحم، وأمر الواصل أن
يصبرَ على جفاءِ رحمِه وإن قطعوه، "ليس الواصل بالمكافئ، إنّما الواصل الذي إذا قطعت رحمُه وصلها"[10]، وآخر يقول: يا رسول الله، إنّ لي رحِمًا أحسِن إليهم وسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهَلون عليّ، وأصلهم ويقطعونني، قال: "إن كنتَ كما قلتَ فكأنّما تسفُّهم الرمادَ، ولا يزال معك عليهم مِن الله ظهير"[11].
فيا
أيّها المسلم، الزَم الخلقَ الكريم، ترَ فيه العواقبَ الحميدة والنتائجَ
الطيّبة، هو صعب في أوّله، لكن من صبَر واحتسَب ووثق بالله وجعل الأمرَ إلى
الله انتهى به المطاف إلى العاقبة الحميدةِ والنتائج الطيّبة، فيكون
محبوبًا بين قومِه، بين عشيرته، بين جيرانه، بين أصحابه، بين جلسائه، لما
يحمِله من خلقٍ كريم.
أسأل الله لي ولكم التوفيقَ والسداد والعونَ على كل خير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه البخاري في الأدب (6035)، ومسلم في الفضائل (2321) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[2] أخرجه أحمد (2/185)، والبخاري في الأدب
المفرد (272)، والبيهقي في الشعب (7986) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله
عنهما، وصححه ابن حبان (485ـ الإحسان ـ)، وقال الهيثمي في المجمع (8/21):
"إسناده جيد". وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه عند الترمذي في الأدب
(2018). وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه عند أحمد (4/193)،
والطبراني في الكبير (22/221)، وصححه ابن حبان (482ـ الإحسان ـ)، وقال
الهيثمي في المجمع (8/21): "رجال أحمد رجال الصحيح"، والأحاديث الثلاثة
كلها في صحيح الترغيب (2650، 2897، 2662).
[3] أخرجه البخاري في المناقب (3861)، ومسلم في فضائل الصحابة (2474).
[4] أخرجه البخاري في الأدب (6203)، ومسلم في الآداب (2150).
[5] أخرجه مسلم في البر (2553) من حديث النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه.
[6] أخرجه أحمد (2/250)، والترمذي في
الرضاع، باب: ما جاء في حق المرأة على زوجها (1162)، وأبو داود في السنة،
باب: الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (4682) من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه بنحوه، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (4176)، والحاكم
(1/3)، والألباني في السلسلة الصحيحة (284).
[7] أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة
(1987)، والدارمي في الرقاق (2791) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ثم أخرجه
الترمذي عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون
بن أبي شبيب عن معاذ به، وقال: "قال محمود: والصحيح حديث أبي ذر". وهذا
الاختلاف من سفيان الثوري، فقد أخرجه أحمد في المسند (5/153) عن وكيع عن
سفيان، وقال في آخره: "قال وكيع: وقال سفيان مرة: عن معاذ، فوجدت في كتابي
عن أبي ذر، وهو السماع الأول". وروي من وجه آخر مرسلاً، ورجحه الدارقطني
كما في جامع العلوم والحكم (1/395)، ثم قال ابن رجب: "وقد حسن الترمذي هذا
الحديث، وما وقع في بعض النسخ من تصحيحه فبعيد، ولكن الحاكم خرجه وقال:
صحيح على شرط الشيخين، وهو وهم من وجهين" ثم ذكرهما رحمه الله. فالحديث حسن
وقد حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2655، 3160).
[8] أخرجه مسلم في الصلاة (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[9] أخرجه الطيالسي (374)، وابن سعد في
الطبقات (1/377)، وهناد في الزهد (1273)، وأحمد (1/403)، وأبو يعلى (5075،
5181)، والقضاعي في مسند الشهاب (1472، 1473) من حديث ابن مسعود رضي الله
عنه، وصححه ابن حبان (959)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي (6/110)، وقال
الهيثمي في المجمع (10/173): "رجاله رجال الصحيح غير عوسجة بن الرماح وهو
ثقة". وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد (6/68، 155)، وقد
صححه الألباني في الإرواء (1/115).
[10] أخرجه البخاري في الأدب (5991) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[11] أخرجه البخاري في البر (2558) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.


الخطبة الثانية
الحمد
لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله
عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد:
فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أخي المسلم،
خلُقك الحسن مع أولادِك مع أبوَيك مع زوجتِك يعينُك على كلّ خير، فالله
أمرك بالإحسان للوالدَين، وحقيقةُ الإحسان طيبُ الكلام خدمةٌ حسنُ تعامل،
وتلك من الأخلاق الكريمة.
أولادُك
من بنين وبنات إن عاملتَهم بحسن الخلق، حلمت عليهم، عفوتَ عن بعض هفواتِهم
التي ليست تتعلّق بأخلاق ودين، تجاورتَ عن بعض التّقصير، لم تتعنّت في
مطالبتِهم بكلّ شيء، زوجتُك عفوتَ عنها، وتحمّلت بعضَ أخطائها، فإنّك بهذا
تعيش سعيدًا مطمئنًّا، وأمّا إن كنتَ ضجرًا مع الأبوين فيوشك أن تتركَ
برَّهما، ويوشك أن يفارقَك أولادك، ويوشِك أن تنفرَ منك زوجتك، ويوشك أن
يبتعدَ عنك خدمُك، فالخلق الكريم مع كلّ الطبقات يعينك على الخير ويحبّبك
للغير ويجعل غيرَك يحبّك.
أنس
بنُ مالك يذكر في خدمتِه لسيّد الأوّلين والآخرين، خدمه عشرَ سنين يقول:
والله ما قال لي لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: لماذا لم
تفعله[1]. يقدّم أهله له الطعامَ، فإن رضي أكَل، وإن لم يرضَ به لم يذمَّ
ولم يعِب، ولكن اعتذَر بأنّه لا يشتهيه[2]. هكذا كانت أخلاقه وأخلاق من
صحِبه، فكن ـ يا أخي ـ متخلّقًا بالحلم والأناءة والصّفح والتحمّل في بيتك
مع الأبوين مع الأولاد والزّوجة مع الخَدَم ومع من في البيت، وكن متخلّقًا
بالخُلق الحسن مع من تعامِله ومع من تصاحِبه ومع من تجالِسه، فتكون سيرتك
فاضلةً وأعمالك خيّرة حسنة.
أيّها الإخوة،
وممّا يُعين على حُسن الخُلق الكفُّ عن مساوئ الأموات، فالأمواتُ قدِموا
إلى ما قدّموا، وقد أمِرنا أن نذكرَ محاسنَ أمواتنا وأن نكفَّ عن مساوئهم،
وفي الحديث: "لا تسبّوا الأموات فقد أفضَوا إلى ما قدّموا"[3].
أيّها المسلم، إنّ نبيّنا يقول: "إنّ
أحدَكم ليعمَل بعمل أهلِ الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع،
فيسبق عليه الكتاب، فيعملُ بعمل أهل النّار فيدخلها. وإنّ أحدَكم ليعمل
بعمل أهل النّار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذِراع، فيسبق عليه الكتاب،
فيعمل بعملِ أهل الجنّة فيدخلها"[4].
أخي المسلم،
إيّاك أن تُعجَب بعملك، وإيّاك أن تشمتَ بالآخرين، وإيّاك أن تفرحَ بمعايب
الآخرين. اعلَم أنّ قلبك وقلوبَ سائر العباد بين أصبعَين من أصابع الرحمن
يقلّبها كيفَ يشاء، إذا أراد أن يقلِب قلبَ عبدٍ قلبه. إيّاك والإعجابَ
بعملك والإعجابَ بنفسك، وازدراءَ الآخرين، فإن الأمرَ بيد الله، إذا مَنَّ
الله عليك بهداية ومَنَّ الله عليك باستقامة فاحمدِ الله على هذه النعمة،
واسألِ الله الثباتَ، وكن دائمًا تقول: اللهمَّ مقلّبَ القلوب ثبِّت قلبي
على دينك. إيّاك أن تنظرَ للآخرين بعينِ الاحتقار والازدِراء، فالذي
أضلَّهم قادرٌ أن يضلَّك، والذي أغواهم قادرٌ أن يغويَك ويسلبَ عنك دينك.
أخي المسلم،
اعلَم أنّ الشماتةَ بالآخرين مصيبة عظمى، وفي الأثر: (لا تظهرِ الشماتةَ
بأخيك، فيعافِيه الله ويبتليك)[5]، وفيه أثر: (من عيّر أخاه بذنب لم يمُت
حتى يعملَ ذلك الذنب)[6]، فعياذًا بالله من سوء الأخلاق.
يا أخي المسلم،
الغيرةُ على محارم الله حقيقتها نصحُ المسلمين وتوجيهُ المسلمين وإمدادُهم
بالنّصيحة دائمًا، وإذا مات الميّت فدع أمرَه إلى الله، فالله يعلَم
خاتمتَه، ويعلَم ما آل إليه أمره، فلربّما أنّه وفِّق لخاتمةٍ في آخر لحظةٍ
من لحظات حياته، ففاز بخيرَي الدّنيا والآخرة، والله على كلّ شيء قدير.
يا أخي المسلم،
كونُك تدخِل على أقاربِ الميّت الهمومَ والأحزان بسبِّ ميّتهم وانتقاده
وعيبِه وتذكير مساوئِه ليس هذا من أعمالِ المسلمين، ولكنّه من أعمال
الحاقدين والكارهين. أمرنا نبيّنا إذا شيَّعنا ميّتنا أن نقفَ على قبرِه
بعدَ الدفن وأن نستغفرَ له ثلاثًا، ونقول: اللهمّ اغفر لعبدك فلان، فالنبيّ
يقول: "فإنّه الآن يسأل"[7]،
لكن أن نسبَّ وننتقصَ ونعيبَ ونقول ونفتريَ فإنّ هذا ليس من أخلاق
المسلمين، فمن كان حيًّا فانصَحه لله وعِظه ووجِّهه، ومن لقيَ الله فدَع
أمره إلى الله، فالله أعلم به منك، وأرحم به منك، وهو أرحم الراحمين وأعدل
العادلين. قال رجلٌ لرجلٍ ممّن قبلنا يفعل المنكرات وينصحه ولم يقبل، قال:
والله، لا يغفِر الله لك، فقبِضَت روحُهما، فقال الله لهذا: مَن يتألّى
عليّ أن لا أغفرَ لفلان؟ قد غفرتُ له وأحبطتُ عملَك، قال أبو هريرة: تكلَّم
بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته[8].
فالمغفرةُ
وعدمُها أمرها إلى الله، ولو جعِل أمر العباد إلى الخلقِ ما رحِم أحد
أحدًا، وما أعطى أحد أحدًا، لكن من حكمةِ الله أنّ أمرَ الثواب والعقاب أمر
بيَد ربّ الأرباب، بيدِ من وسعت رحمته كلّ شيء، بيد من هو يعلم السرَّ
وأخفى، بيد أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأجودِ الأجودين، من لقيَه
موحّدًا فمآله إلى الجنّة بفضل الله وبرحمته.
أخبرنا نبيّنا أنّه "يؤتَى
يومَ القيامة برجل، ويؤتَى له بتسعٍ وتسعين سجلاّ من الخطايَا، كلّ سجِلّ
مدَّ البصر، فيقال له: أتنكِر مِن هذا شيئًا؟ فيقول: لا، فيقال له: أظلمتَك
الكرام الكاتبون؟ فيقول: لا، وكأنّ الرّجل أيِس، فيقال: لا ظلمَ اليوم،
فيؤتَى ببطاقةٍ فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدًا عبده
ورسوله"، قال: "فتوضَع البطاقة في كفّة والسجلاّت في كفّة"، قال: "فطاشَتِ السجِلاّت ورجَحت البطاقة"[9]،
وهذا من فضلِ الله وكرمِه وجودِه، فلا ييأس من رحمةِ الله إلا القوم
الكافرون، ولا يقنط مِن رحمتِه إلا الضالّون، وعلى المسلم أن يدعوَ إلى
الخير وينصحَ ويوجّه ويحبّبَ الخيرَ للنفوس، أما مآل الأمور والحكمُ على
الآخرين بالجنّة والنار فذاك حكمُه إلى الله، ليسَ حكمه إلينا، نحن نرجو
للمحسنين ونخاف على المسيئين، ولكن أمرُ الجنّة والنّار إلى الله علمُه،
وإلى الله شأنُه، والله رؤوف بعباده، حكيم عليم، قادرٌ على كلّ شيء، وسعت
رحمتُه كلّ شيء، فسبحانَ الحكيم في أمره ونهيِه، وسبحان القادر على كلّ
شيء، على العبادِ أن يثِقوا بربِّهم، ويفوِّضوا الأمرَ إلى الله، وعلى
المسلم أن يتّقيَ الله فيما يقول ويذَر.
أسأل الله لي ولكم الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى.
واعلموا
ـ رحمكم الله ــ أنّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ
الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله
على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحِمكم الله ـ على عبدِ الله ورسولِه محمّد كما أمرَكم بذلك ربّكم: (إِنَّ
ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه البخاري في الوصايا، باب: استخدام
اليتيم في السفر والحضر... (2768)، ومسلم في الفضائل، باب: كان رسول الله
أحسن الناس خلقا (2309) بنحوه.
[2] أخرجه البخاري في المناقب، باب: صفة رسول الله (3563)، ومسلم في الأشربة (2064) من قول أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[3] أخرجه البخاري في الجنائز (1393) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[4] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3208)، ومسلم في القدر (2643) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[5] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد
(2506)، والطبراني في الأوسط (3739)، والقضاعي في مسند الشهاب (917) من
طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن
غريب"، وحكم عليه ابن الجوزي والقزويني بالوضع، وضعفه الألباني في ضعيف
الجامع (6245).
[6] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد
(2505) من طريق خالد بن معدان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال: "هذا
حديث غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل"، وفي
إسناده أيضا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني متهم بالكذب، ولذا أورد
ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وحكم عليه الألباني أيضا بالوضع في
السلسلة الضعيفة (178). ويروى عن الحسن البصري رحمه الله، أخرجه عبد الله
في زوائد الزهد (ص281) بإسناد ضعيف.
[7] أخرجه أبو داود في الجنائز (3221)،
والبيهقي في الكبرى (4/56) من حديث عثمان رضي الله عنه، وصححه الحاكم
(1372)، وحسنه النووي في الأذكار (212)، ورمز السيوطي لحسنه، وصححه
الألباني في أحكام الجنائز (198).
[8] أخرجه أحمد (2/323)، وأبو داود في الأدب
(4901)، والبيهقي في الشعب (6689) بنحوه، وصححه ابن حبان (5712)، وحسنه
ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص319)، ووافقه الألباني.
[9] أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي في
الإيمان (2639)، وابن ماجه في الزهد (4300) من حديث عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (225)،
والحاكم (9، 1937)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (135).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الطريق إلى حسن الخلق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطريق إلى الفردوس الأعلى من الجنة
» كتاب اخر الطريق الى الامتياز د ابراهيم الفقي
» حسن الخلق
» مدح سيد الخلق عليه الصلاة والسلام
» نشيد مشاري بن راشد العفاسي سيد الخلق تحميل مباشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نجوم القل :: المنتدى الإسلامي العام :: المنتدي الاسلامي العام-
انتقل الى:  
feed

منتديات نجوم القل


المواضيع الأخيرة
» حل مشكلة اعلانات ادسنس في سكري كليجا
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 09, 2020 11:19 pm من طرف jozef002

» Free Ping Submission Sites List
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 17, 2020 7:03 pm من طرف jozef002

» الباك لينك
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالجمعة مايو 04, 2018 3:51 am من طرف jozef002

» 131+ Manually Verified Free Blog Directories To Submit Your Blog
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 13, 2018 5:24 pm من طرف jozef002

» 4 Best Automated Social Bookmarking Software
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالجمعة يوليو 07, 2017 5:13 pm من طرف jozef002

» موقع نتائج شهادة التعليم الابتدائي 2017
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 06, 2017 3:51 pm من طرف jozef002

» اشياء يريدها الرجل اثناء العلاقة الحميمة ولا يبوح بها
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالأحد فبراير 12, 2017 4:45 pm من طرف jozef002

» فوائد ممارسة العلاقة الحميمية بانتظام
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالأحد فبراير 12, 2017 4:43 pm من طرف jozef002

» كل ما تحتاجين معرفته عن غشاء البكار
الطريق إلى حسن الخلق I_icon_minitimeالأحد فبراير 12, 2017 4:41 pm من طرف jozef002

سحابة الكلمات الدلالية
حلقات بيس تحميل ون جميع
تعجبني
nav
Histats
Submit Your Site To The Web's Top 50 Search Engines for Free! My Ping in TotalPing.com Computers blogs My Zimbio
Top Stories