هذه الكعبةُ كنّا طائفيها والمصلّين صباحاً ومساءَ
كم سجدنا وعبدنا الحسنَ فيها كيف باللّه رجعنا غرباء
دارُ أحلامي وحبّي لقيتْنا في جمود مثلما تلقى الجديدْ
أنكرتْنا وهْي كانتْ إن رأتْنا يضحك النورُ إلينا من بعيدْ
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد !
لِمَ عُدنا؟ أَوَ لم نطوِ الغرامْ وفرغنا من حنين وألمْ
ورضينا بسكون وسلامْ وانتهينا لفراغ كالعدم؟!
أيها الوكرُ إذا طار الأليفْ لا يرى الآخرُ معنًى للمساءْ
ويرى الأيام صُفراً كالخريفْ نائحات كرياح الصَّحراء
آهِ مما صنع الدهرُ بنا أَوَ هذا الطللُ العابس أنتَ !
الخيالُ المطرقُ الرأسِ أنا؟ شدَّ ما بتْنا على الضنك وبتَّ !
أين ناديكَ وأين السمرُ أين أهلوكَ بساطاً وندامى
كلّما أرسلتُ عيني تنظرُ وثبَ الدمعُ إلى عيني وغاما
مَوْطِنُ الحسن ثوى فيه السأمْ وسرتْ أنفاسُه في جوِّهِ
وأناخ الليلُ فيه وجثمْ وجرَتْ أشباحُه في بهوهِ
والبِلى! أبصرتُه رأيَ العيانْ ويداه تنسجان العنكبوتْ
صحتُ يا ويحكَ تبدو في مكانْ كلُّ شيءٍ فيه حيٌّ لا يموتْ !
كلُّ شيءٍ من سرور وحَزَنْ والليالي من بهيجٍ وشَجِي
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ وخطى الوحدةِ فوق الدرجِ
رُكْنِيَ الحاني ومغنايَ الشفيقْ وظلال الخلدِ للعاني الطليحْ
علم اللّه لقد طال الطريقْ وأنا جئتكَ كيما أستريح
وعلى بابكَ أُلقي جعبتي كغريب آب من وادي المِحنْ !
فيكَ كفَّ الله عنّي غربتي ورسا رَحْلي على أرض الوطن !
وطني أنتَ ولكنّي طريدْ أبديُّ النفيِ في عالَم بؤسي !
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ ثم أمضي بعدما أُفرغ كأسي !