بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الهادي الأمين وبعد :
يمر المرء أحياناً بحالات من فقدان الاتزان وضعف الثقة عندما تتراكم الأحداث المؤلمة على الأمة ، ويظهر بعض أعداء الله والدين فترة من الوقت ، فنرى هذا يكون نشطاً في الدعاء آخذاً بالأسباب ظناً منه أن بين الدعاء والاستجابة كلمة كن ، أو لمحة بصر ليس إلا ، والحال أن الإنسان خُلق من عجل كما أخبر رب العزة جل وعلا ، .. والأنكى من ذلك أن يفتر عن الدعاء بعد أن استمر عليه أياماً أو ساعات بحجة أن الله لم يستجب له !!!
سبحان الله وكأن الله وعد بالاستجابة فورتاً ، أو أن سنن الله كسنن العبد ، أو أن تقدير العبد كتقدير الرب ؟؟!! حاشا وكلا ، فبنظرة سريعة على بعض الآيات والأحاديث الكثير يمكن لمن يتعجل أن يفهم وقبل سوق الاتهامات يتمهل !!
فانظر إلى قول الله تعالى : ((وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم )) فعقب الله تعالى بقوله : (( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )) ، ومن يقرأ الآية الأولى والثانية يظن أن الاستجابة كانت فورية بعد لحظات من الدعاء ، ولكن ما نقل لا يؤيد هذا الفهم حيث روى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة ، وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله ، ونظير ذلك ما أخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله قال قد أجيبت دعوتكما قال : بعد أربعين سنة ، كما نقل السيوطي في الدر المنثور .
فانظر بين دعاء نبيين كريمين أحدهما كان يدعو والآخر يؤمِّن كم كانت فترة الإجابة ، ومع ذلك لم ييأس موسى ولا هارون عليهما السلام بل ولم يتهما الذات الإلهية ، حاشا وكلا ، فما يفعل هذا غير مخذول بين الخلان عياذاً بالله !!!
وفي الصحيح عن (( خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل ، الكعبة قلنا : له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا ؟! قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون )) .
ولكن هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء حتى يطلبوه منه بهذا الإلحاح ؟؟ الجواب كلا فالنبي لا شك أنه كان يتألم لألم أصحابه ويدعو لهم دون أن يعرفو ، ومع ذلك أجابهم بهذا الجواب تعليماً لهم وتصبيراً .
قال ابن حجر في الفتح : (( وليس في الحديث تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع لهم ، بل يحتمل أنه دعا ، وإنما قال : " قد كان من قبلكم يؤخذ إلخ " تسلية لهم وإشارة إلى الصبر ، حتى تتقضي المدة المقدورة ، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث " ولكنكم تستعجلون )) فانظر كم كان بين هذا وحصول النصر والفرج ، وهم خير خلق الله في عصرهم !!
ولهذا فعلى المرء أن يدعو ربه ولا يسأم من الدعاء ولا يعجل ، والأهم من هذا أن يدعوه حال الرخاء والشدة ، بل الأصل أن يكون دعاءه في الرخاء أكثر من دعائه في الشدة ، لأن كثيرين يتركون الدعاء ، وإذا وقع أمر لجأوا إلى الدعاء والتضرع وظنوا أنه بمجرد توجههم ينبغي أن يُستجاب لهم ، وإن حصل تأخر لحكمة يعلمها الله نراهم يتذمرون وييأسون ويقنطون ، بل ويُقنِّطون غيرهم !!! وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستعجال في الدعاء فمما رواه الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت ربي ، فلم يستجب لي».
وفي رواية عند مسلم قال : « لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت ، وقد دعوت فلم أر يستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك ، ويدع الدعاء».
والأمر الأخطر في هذا كله ، والذي يشكل خطراً على العقيدة ، بل نقضاً لها هو أن يسيء الإنسان ظنه بربه ، فيظن أن الله تخلى عنه أو عن المسلمين ، أو أن الله لن ينصر المسلمين ،
قال الله تعالى : ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله ) ، فهذا هو ظن أهل الجاهلية بالله ، ظن سوء ، وقد جاء في إعانة المستفيد : (( أن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى من واجبات التوحيد، وسوء الظن بالله عز وجل ينافي التوحيد ))
فالأمر خطير ، وفيه نقض للتوحيد إذا اعتقد المسلم أن الله لن ينصر عباده الموحدين ، ولن يُظهر هذا الدين ، وأنه سيُعلي وينصر الكفرة والملحدين ، ثم يـأخذ بالاستشهاد بالواقع الحالي ويستولي عليه القنوط واليأس في دوامة لا يخرج منها إلا وقد فارق الدين والعياذ بالله .
أما من عرف سنن الله في الكون ، ومقدمات إجابة الدعوة ، وأن الاستجابة قد تتأخر ، فإذا تأخرت أربعين سنة عن داء نبيين كريمين فكيف سيكون حال دعائنا نحن ؟؟؟
وبعد : فإننا نقسم تصديقاً بوعد الله ، وإحساناً للظن به تعالى بأنه سينصر هذا الدين ، وأن هذا الدين سيظهر على غيره من الأديان ، وأنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً ، وأن المستقبل لهذا الدين وأهله ، ومن كان يظن أو يعتقد غير هذا فلا مكان له عندنا فليبحث عن دين آخر ، والله الموفق .