بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا أقسم الله عزوجل بشيئ, فهذا لبيان أهميته وعظيم منفعته, ولقد أقسم الله عزوجل بأزمان وأوقات معينة, وذلك لبيان شرف الزمان وشرف الوقت:
فقال تعالى:* وَالضُّحَى)1( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)*2.سورة الضحى
فأقسم تعالى بالضحى وما جعل فيه من ضياء.
قيمة الوقت في القران, الادلة القرائنية على اهمية الوقت
وقال تعالى:* وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)1( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)*2.سورة الليل
فأقسم تعالى بالليل إذا غشي الخليقة بظلامه ,وأقسم تعالى بالنهار إذا ظهر ضياؤه وإشراقه.
وقال تعالى:* وَالْفَجْرِ)1( وَلَيَالٍ عَشْرٍ)*2 .سورة الفجر
فأقسم تعالى بالعشر الأول من شهر ذي الحجة كما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:/ مامن أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام/ -يعني عشر ذي الحجة -قالوا :ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال:/ ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجلا خرج بنفسه وماله, ثم لم يرجع من ذلك بشيء./.
وقال تعالى:* وَالْعَصْرِ)1( إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)*2سورة العصر.
قيمة الوقت في القران, الادلة القرائنية على اهمية الوقت
فأقسم تعالى بما هو أعم من ذلك كله وهو الزمن, وهو الدهر وهو العصر .
والمقصود بالعصر هو: الزمن, والدهر, وذلك لشرفه وقيمته.وفي قسمه تعالى بالعصر دليل على أن أنفس شيئ في الحياة هو العمر, وفي تخصيص القسم بالعصر إشارة إلى أن الإنسان يضيف النوائب والمكاره اليه, كالذي يسب الدهر فأقسم الله به ليوضح أن العيب ليس فيه, وإنما العيب في الذي يسبه, ولهذا حكم الله بالخسران بما كسبته أيديهم, ولا دخل للدهر في ذلك, كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:/لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر/ .
ويقول الإمام الرازي في تفسير هذه الآية :إن الدهر مشتمل على الأعاجيب ,لأنه يحصل منه السراء والضراء ,والصحة والسقم, والغنى والفقر, فلو ضيعت ألف سنة ثم تبت في اللمجة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد, فعلمت حينئذ أن أشرف الأشياء حياتك في هذه اللمجة, فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم .إنتهى
وصح في الحديث: أن رجلا كان مشركا ثم أسلم, ثم لم يلبث أن نودي بالجهاد, فخرج فقتل, فدخل الجنة .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:/ عمل قليلا وأجر كثيرا/
ومن الأيات كذلك :
قال تعالى:* وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)*62.سورة الفرقان
أي: يخلف كل واحد منهما صاحبه يتعاقبان لا يفتران, إذا ذهب هذا جاء هذا, وإذا جاء هذا ذهب ذاك وجعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادة عباده له عزوجل, فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار, ومن فاته عمل بالنهار استدركه في الليل.ابن كثير
وقال تعالى:*وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ *12 سورة الاسراء.
قال ابن كثير رحمه الله: يمن تعالى على خلقه بآياته العظام, فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل, وينتشروا في النهار للمعايش ,والصنائع, والأعمال, والأسفار, وليعلموا عدد الأيام, والجمع والشهور, والأعوام ,ويعرفوا معنى الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات ,وغير ذلك.انتهى
وقال عزوجل: ( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)33سورة ابراهيم
أي يسران ولا يفتران ليلا ونهارا, فالشمس والقمر يتعاقبان ,والليل والنهار يتعارضان, فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول, ثم يأخذ هذا من هذا فيقصر.ابن كثير.
قيمة الوقت في القران, الادلة القرائنية على اهمية الوقت
وقال تعالى:* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)12 سورة النحل.
وقال تعالى في فضل وشرف الوقت:* أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)37 سورة فاطر
والمعنى: أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم.
وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة فنعوذ بالله أن نغتر بطول العمر.
وقال عز وجل:* وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ)12 سورة السجدة.
قيمة الوقت في القران, الادلة القرائنية على اهمية الوقت
وهنا يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وحالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عزوجل, حقيرين ذليلين, ناكسي رؤوسهم, أي من الحياء والخجل, يقولون:* رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) وقال تعالى:* وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ)52 سورة سبا
أي :إذا حضرهم الموت طلبوا الإيمان زاعمين أنهم آمنوا كما قال فرعون عند معاينة الموت, والحقيقة أنهم في بعد عن الإيمان وعن التوبة ,لأن الأوان قد فاتهم, وحيل بينهم وبين ما يشتهون من التوبة ومن العودة لاستدراك ما فاتهم من الأعمال الصالحة في الدنيا, بعد إنزال الكتب وإرسال الرسل ووضع الأيات ومع ذلك اغتروا بالماديات التي عندهم, ولم يعتبروا بمن سبقهم من الأمم, وكانوا ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:/ إن الله يبغض كل جعظري جواظ , سخّاب بالأسواق, جيفة بالليل, حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا, جاهل بأمر الأخرة /.
وهؤلاء الذين اغتروا بجيوشهم وقوتهم المادية ,والأموال وغيرها, ناسين الحساب الذي ينتظرهم, وأنهم هم الذين سوف يصطرخون ويقولون:* لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)58سورة الزمر
فيرد الله عليهم:* قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)108 سورة المؤمنون
أما السعداء من المؤمنين: فيقطفوا ثمرة استثمارهم للوقت ويقال لهم في الجنة كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)24سورة الحاقة
وأما الأشقياء: الذين ضيعوا أوقاتهم في الدنيا فيقال لهم: ( ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ)75سورة غافر.