سم الله الرحمن الرحيم
على من تقع المسؤولية تجاه فلسطين؟ أمام الله تعالى وأمام الأمة ؟
على الحكام؟ أم على الشعوب؟ أم على أمريكا؟ أم على أوربا؟ أم على الجميع؟
أعتقد أن كل صنف من هؤلاء عليه كفل مما أصاب فلسطين وأهل فلسطين. ونعوذ بالله أن نكون ممن يخذل المسلمين.
1-
مسؤولية الحكام: الذين جعلوا أولوية أولوياتهم حفظ عروشهم، باعوا الدين
بعرض من الدنيا، فوالوا الكفار ومكنوهم من رقاب الأمة في كل مجال، مقابل
حماية كراسيهم، وعادوا المسلمين واستضعفوهم وقتلوا فيهم المروءة والشهامة،
وحولوهم إلى عبيد يتكففون الناس، يموتون بالجوع والفقر والأمية والهجرة
والسجون.
إننا في حاجة إلى فقه سياسي جديد يتجاوز الحاضر وخيارات
الحاضر، فقه تتجدد فيه علاقة الحاكم بالقرآن أولا، وبالمحكومين ثانيا، على
هذه العروة وضع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصبعه حين قال: "ألا إن
رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار. ألا إن الكتاب والسلطان
سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب. ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما
لا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم".
ومع تجديد
علاقة الحاكم بالقرآن ستتجدد علاقة الحاكم بالمحكومين على شكل ينزل الأول
من مقام العصمة الذي يعتبر خيانة لله وخيانة لرسوله، ويخضعه لرقابة الأمة
ومعيار القرآن والسنة النبوية والتجربة الراشدة.
2- مسؤولية العلماء:
قال الله تعالى: "لتبيننه للناس ولا تكتمونه" فمهمة العلماء هي بيان الحق
وقول الصدق، وقيادة الأمة قيادة عزة وكرامة، لا تخشى في الله لومة لائم،
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، فهم ملح الأمة
ونموذجها. فإذا تنافس العلماء في الدنيا وتسابقوا إلى باب السلطان بالمديح
والتملق، وتحولوا إلى خدام أوفياء لسلاطين الجبر والإكراه فاغسل يدك منهم،
وعاملهم كأن لم يخلقوا. " إذا رأيتم العالم يلج باب السلطان فاحذروه".
فأخطر ما أضر بأمتنا هم فقهاء السلاطين، علماء البلاط "الذين يشترون بآيات
الله ثمنا قليلا"، ولا يجتهدون إلا في التبرير ولا طموح لهم في التغيير.
وضل من ظن أن العميان تهديه.
إن مهمة العلماء عموما هي:
- تجديد
الإيمان في القلوب، بتربية الناس على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
والتحاب في الله والتخلق بأخلاق رسول الله، من رفق وحلم وتواضع وشجاعة في
الحق، وأمانة....وتعليم الأمة العلم النافع في الدنيا والآخرة.
- وإقامة
شرع الله في أرض الله، بالعدل في قسمة الأرزاق والعدل في الحكم...بالشورى،
بالمسؤولية والمساءلة، بالحرية والإختيار، بالتعاون والاجتهاد....
مسؤولية
العلماء العاملين هي قيادة الجهاد التحريري والتكويني، وتوجيهه الوجهة
التي يرضى الله، تحرير القلوب والإرادات والمبادرات، وتكوين الطاقات
والمؤسسات...أداء للأمانة وتبليغا للرسالة.
أما احتلال العدو الأجنبي
لأي بلد من بلدان المسلمين تصبح المواجهة لدفعه بمختلف الوسائل بما فيها
القتال فرض عين. فالجهاد الدفاعي هو محل إجماع المسلمين، والقرآن الكريم
حافل بالتوجيهات الربانية التي تحض على الجهاد دفعاً للعدوان والظلم الذي
يتعرض له المسلمون مثل: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا
إن الله لا يحب المعتدين"؛ "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من
الكفار"؛ "فإن قاتلوكم فاقتلوهم"؛ "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"؛
"واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" .
الجهاد والقتال في
فلسطين ليس محلاً للنقاش؛ فطالما وقع الاحتلال والعدوان على الأرض والشعب
وجب على العلماء إن أرادوا الصلح مع الله أن يتركوا التفاهات لساقطي الهمم و
أن يلتفوا حول قضايا الأمة ومنها القضية المركزية؛ تحرير فلسطين كأرض
مغتصبة وتخليصها من الاحتلال واعتبار ذلك فريضة إسلامية تندرج تحت فرض
العين، كما هو حكم الصلاة والصيام وبقية فروض الأعيان في الشريعة
الإسلامية. فلا تقبل المساومة ولا المتاجرة ولا التعطيل ولا التهوين.
إن
طبيعة العدوان والاحتلال الصهيوني على أهل فلسطين، تؤكد أن وسيلة التحرير
وتصفية الاحتلال هي الوحدة والقوة، ولا وحدة ولا قوة من غير تعبئة إيمانية
شاملة وعميقة، وبناء كيان إيماني واقتصادي وسياسي قوي ومهاب يحسب له ألف
حساب.
3- مسؤولية الشعوب: يستحيل على الشعب العربي، انطلاقا من
هويته وشهامته أن يقبل بالتطبيع مع كيان غاصب لأرض المسلمين ومدنس
لمقدساتهم وسافك لدماء الأبرياء منهم . وقد عبر المسلمون عن ذلك من خلال
المسيرات المليونية التي شهدتها الشوارع، والتي نددت بجرائم الكيان
الصهيوني وأعلنت التضامن غير المشروط مع المقاومة الفلسطينية، ورفضت كل
أشكال التطبيع مع المجرمين الصهاينة.
إن الذين يريدون أن يفرضوا إرادتهم ضد إرادة الشعوب إنما يعزلون أنفسهم بأيديهم.
إن
شعوبنا في غنى عن طعنات أخرى في الظهر تزيد من جروحه، وتثخن جسمه الرخو،
الذي انتشر فيه الوباء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. كثيرة هي الطعنات
التي ابتليت بها هذه الشعوب من جراء قرارات انفرادية في قضايا مصيرية لا
زالنا نؤدي ثمنها إلى اليوم.
بناء مؤسسات قوية وذات مصداقية: بإعادة
تأسيس الدعوة والدولة على تقوى من الله، و تجديد القادة؛ وفضح المتواطئين
من بني جلدتنا.وإقامة الدولة القطرية ريثما تتوحد الأقطار الإسلامية لتشكل
دولة الخلافة الموعودة إن شاء الله.
التضامن و التعاون والنصرة:
"المومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض" بالقول والفعل، بالخطبة والخطوة،
والأخوة الإسلامية تقتضي التضامن والمؤازرة.
"انصر أخاك ظالما ومظلوما"،
بالمال والمعدات والدعاء. بمقاطعة المفسدين وليس فقط بمقاطعة المواد،
فالحكومات العربية هي أكبر منتوج أمريكي يجب أن يقاطع.
4- مسؤولية أمريكا: أما الولايات المتحدة، فقد دعمت الدولة اليهودية منذ نشوئها لثلاثة أسباب كبرى هي:
1- سبب اعتقادي: يتأصل في مشاركة الديانة البروتستانتية للصهيونية في الإعتقاد بعودة مملكة صهيون (إسرائيل الكبرى)
2-
سبب اقتصادي: يتمثل في توفر الأرض العربية على أكبر حقول النفط في العالم
مما يشكل انزعاجا من مستقبل المسلمين الإقتصادي، ولدرئه تحتاج أمريكا إلى
حارس "أمين" يحفظ الكنز ويشوش على أهله.
3- سبب سياسي: ويكمن في تمكن
الجرثومة الصهيونية من التسرب إلى أكبر مراكز القرار في الدول الكبرى وعلى
رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وتشكيلها لمجموعة ضغط يسندها حوالي ستة
ملايين من اليهود يملكون الثراء والقوة، ويتمتعون بالنشاط والدعم والحماية.
لذلك فدعم أمريكا وحلفائها لإسرائيل لا يحصى. فزيادة على دعم يهود
الشتات الأثرياء، يتجسد حلف الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
فما
جدوى الاحتجاجات والنقض الأمريكي كَنَسَ أكثر من ثلاثين قرارا أمميا يدين
الدولة العبرية ويبدي استعداده لنقض كل قرار مماثل؟ لقد أصبحت خدمات البيت
الأبيض للدولة الصهيونية أكثر سخاء وأكثر تحررا من القيود الآن وقد تكاثر
المستشارون اليهود في الإدارة الديمقراطية وتضاعف عددهم حتى تعذر إحصاؤهم؟
(4)، وما زالت الولايات المتحدة توفر حاليًا 600 دولار سنويًّا لكل فرد في
إسرائيل!
5- مسؤولية أوربا: كان لليهود دين على أوربا سيؤديه العرب.
فلقد احتُلت أراضيهم، وجهزت لاستقبال الأجناس اليهودية المدعومة إلى أرض
الأجداد. ثم تطور الأمر فأصبحت الأسطورة المؤسِّسة للمطالب اليهودية تتمتع
بالحماية القانونية، إذ تم التصويت في فرنسا لصالح قانون غيسو – فابيوس سنة
1990 ليعاقب بصرامة شديدة كل من طعن في العقيدة السياسية الصهيونية وشكك
مثلا في وجود أو حجم الإبادة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية.
وهكذا
أصبح بفضل الدعاية اليهودية هتلر عدوّ الجنس البشري – الذي أثار الحرب
العالمية الثانية وتسبب في قتل خمسين مليون نسمة منهم عشرون مليون سوفييتي –
جلاد اليهود واليهود فقط.
إن وظيفة أوربا اليوم هي إلهاء المسلمين
وإشغالهم بالصراع الإسرائيلي لإضعاف قوتهم وشل نفوذهم وضمان تبعيتهم وتكريس
فرقتهم وتقلصهم السياسي والاقتصادي.
أوربا تساوم الحكام على فلسطين
مقابل إغراءات وهمية من قبيل ضمان تسلطهم واستقرار حكمهم... ولا تردد في مد
الدولة العبرية بالدعم العسكري والمالي، والتكنولوجي والدبلوماسي والأمني
...وتمنع الشعب الأعزل –إلا من إرادته- حتى من المساعدات الغذائية! وتضغط
على حكوماتنا لمنع وصول المساعدات التي تقدمها الشعوب الإسلامية والعربية
لشعب فلسطين. بل تضغط عليها كي لا تستقبل أعضاء حكومة حماس! (الأردن،
المغرب...)
وبالأمس ( 13/11/2006) صرح وزير خارجية فرنسا أن "أمن إسرائيل لا يساوم!" وأمن فلسطين؟؟؟
و
الأكيد هو أن الدول الأوروبية غير جادة في إقامة دولة فلسطينية لا على أرض
غزة، ولا على أرض الضفة، و لا على وقف العدوان الواقع على أرض فلسطين، و
حديثها عن "خريطة الطريق" جاء فقط لكون العدو الصهيوني في ورطة حقيقية مما
تسببه له عمليات المجاهدين من ضيق وذعر وإحراج.