الحمد لله ، من علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، ومن بين جميع خلقه تفضل علينا فاصطفانا ، وجعلنا من أمة خير رسله ، وأفضل أنبيائه ، فعلى جميع الأمم فضلنا واجتبانا .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلقنا فسوانا ، أرخى ستوره على عيوبنا ، ومن لباس التقوى كسانا ، ومن نعمه الغزار أسبغ علينا وأعطانا ، فنسأله بها أن يجعل جنات الفردوس منازلنا وملتقانا .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ألف الله به بين القلوب ، ومحا بهديه الخطايا والذنوب ، فأمرنا بكل خير ، وعن كل شر حذرنا ونهانا ، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، الذين اعتصموا بسنته ، وترسموا طريقته ، وساروا على نهجه ، جمعنا الله بهم على السرر إخوانا . وسلم تسليما .
أما بعد : فتأملوا اخواني
قوله عز وجل: "الرجال قوَّامون على النساء"،
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولَّوْا أمرَهم امرأة" قضيا وحكما بأن الولاية تكون للرجال، وليس للنساء حظ من ذلك، سواء كانت ولاية عامة أم خاصة،
لا في الحكم
ولا في الصلاة
ولا في غيرهما من الأمور.
وإنما تصحُّ ولاية المرأة على بيت زوجها وعلى بني جنسها: "والمرأة راعية في بيت زوجها" الحديث.
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تلي أمراً على الرجال،
فلا يحل لها أن تكون
والية،
ولا وزيرة،
ولا عاملة،
ولا قاضية،
ولا رئيسة في دائرة من الدوائر الحكومية ولا غيرها،
ولا عميدة كلية،
ولا مديرة مدرسة،
ولا رئيسة قسم
ولا لجنة في جامعة
ولا مدرسة فيها رجل واحد،
اللهم إلا على النساء.
ولا يحل لولاة الأمر من المسؤولين أن يولوا النساء على الرجال، فإن فعلوا فهم مؤاخذون على ذلك، وسيحاسبون عليه يوم القيامة حساباً عسيراً، لمخالفتهم لأمر الله ولأمر رسوله.
وليس في ذلك غض لمكانة المرأة، ولا انتقاص لها كما يدعي دعاة تفلت المرأة وتحررها من القيود الشرعية،
بل في ذلك إعزاز وإكرام وصيانة لها.
رضي الله عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، عندما خرجت عائشة رضي الله عنها إلى الكوفة، وكان غرضها من هذا الخروج أن يراها الناس ويصطلحوا ولا يقتتلوا ولكن دعاة الفتنة أخزاهم الله هم الذين أجَّجوا القتال، وطُلب منه أن يخرج مع من خرج، وكان ممن اعتزل الفتنة، قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن فارساً ملَّكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قومٌ ولوا أمرَهم امرأة"، حيث لم يقبل أن يخرج مع عائشة وهي أمه وأم المؤمنين جميعاً، ولم تخرج طالبة لزعامة وإنما خرجت للصلح.
الحمد لله الذي عافى الأمة عن مخالفة أمر ربها ورسوله، حيث لم تول امرأة قط على رجال في عصورها المختلفة إلا في هذا العصر الذي كثرت فيه البلايا،
وعظمت فيه الرزايا، وابتلي فريق منهم بتقليد الكفار والتشبه بهم، هذا مع اعتراض الراسخين في العلم على ذلك الصنيع المنكر، وعدم رضى عامة المسلمين بذلك، تحقيقاً لما صح في الأثر أن هذه الأمة لن تجتمع على ضلالة قط.
في عصور الانحطاط في عهد المماليك عندما تولت "شجرة الدر" وكانت زوجاً لنجم الدين السلطة بعد ولده توران شاه الذي تولى بعد أبيه، حيث قتلته "شجرة الدر" واستولت على الحكم 648هـ،
لم يكن توليها مقبولاً من العلماء ولا من ولاة الخليفة العباسي.
فقد اعترض على توليها وأعلن ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله، وكتب الخليفة العباسي في وقته كتاباً إلى أهل مصر يعاتبهم على هذا الصنيع، إذ لم يكن سلطانه عليهم كاملاً، لانفراد المماليك بمصر والشام في ذلك الوقت، قائلاً: (إن كان ما بقي عندكم رجل تولونه فقولوا لنا نرسل إليكم رجلاً)،
وقد وصل خطاب الخليفة هذا إلى المماليك بعد أن مضى على تولية "شجرة الدر" ثمانون يوماً، اقتنع أمراء المماليك بخطئهم وقالوا: لا يمكن حفظ البلاد والملك لامرأة؛
فأشاروا على "شجرة الدر" أن تتزوج كبير المماليك، وهو "الأتابك أيبك" التركماني، وتتنازل له عن العرش، فقبلت ذلك وخلعت نفسها عن السلطة.
وكذلك الأمر عندما أقام المماليك دولة لهم في دلهي بالهند سنة 602ه، وكان أول ملوكهم "إيلتش" الذي اعترف به الخليفة في بغداد، وبعد وفاته 634هـ تولت ابنته السلطة، فاعتُرض عليها وقُتِلت.
دعاة تحرير المرأة من القيود الشرعية والمنادين بخروج المرأة من بيتها، وبمساواتها بالرجل في كل شيء، أغراضهم مختلفة، وأهدافهم متباينة، وليس لهم جامع إلا الهوى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً".
فمنهم من هدفه التفسخ والتحلل، ويريد أن تكون المرأة لقمة سائغة كما هو الحال عند الكفار، ومنهم من يريد منافقة النساء والكسب السياسي الرخيص في الانتخابات، ومنهم من أشُرِب حب الكفار وتقليدهم فهواه تبع لهواهم، ومنهم الجاهل الذي يرى أن هذا من باب التطور والتقدم، فالكفار طالما أنهم متقدمون مادياً فكل ما فعلوه فهو حسن.
وأخس هذه الأصناف من يفتش ويبحث بل ويختلق الزلات والعثرات على بعض أهل العلم ويثير الشبه على السذج والمغفلين.
من ذلك الصنيع الخبيث والقول الخسيس زعم أحدهم أن الله فقط نفى الفلاح عمن يولون المرأة، ولم ينه عن تولية المرأة.
ومنهم من يشكك في الصحابي راوي الحديث أبي بكرة، والصحابة كلهم عدول رغم أنف أهل الأهواء، بحجة أنه أقيم عليه حد القذف، وهناك فرق كبير بين قبول الشهادة والرواية، ويقول آخر إنه حديث آحاد.
وغير ذلك من الأباطيل والأكاذيب التي جاد بها الشيطان على أوليائه من العلمانيين ذوي النكهة الإسلامية.
ولهذا فإن هؤلاء أخطر الأصناف جميعاً.
هذا ما كان عليه أهل الإسلام قديماً وحديثاً، وهذه هي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، وهذا هو الدين الذي بُعث به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وليتبع المتفلتون عن شرع رب العالمين المقلدون لأحفاد القردة والخنازير ما شاءوا، فلن يضروا الله شيئاً، ولن تزال طائفة من هذه الأمة - وهي المنصورة - قائمة على أمر الله متمسكة به، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة وهم ظاهرون على ذلك.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.