الحمد لله أما بعد:
بين منهج الشرع و منهج الناس وواقعهم
إنّنا نُعاين مِنْ خلال الواقع المُرّ، والمُرّ الواقع؛ السكوت عن المنكر، واستفحال الفساد والظُّلم في مشارق الأرض ومغاربها. وبعد عشرين عام أو ثلاثين أو أقلّ أو أكثر؛ تتوقّد المظاهرات والاحتجاجات، وتنْزف الدماء.وإذا نجحت الثورة؛ تغيّرت الأسماء، وتبدّل الأشخاص، وجاء أمثال أولئك أو أسوأ. مع الأخذ بعين الاعتبار؛ تَكْرار الثورات؛ مرّات ومرّات، وما يتبع ذلك من تصفية الحسابات.وهل يتصوّر العقل الصحيح الذي يأخذ مِن الشرع الحنيف أنّه يمكن تغيير تراكم المنكرات والذنوب والمخالفات في سنين طويلة، مِن خلال أيامٍ معدودة، وليالٍ محدودة...؟!! أمّا منهج ربّ الناس-سبحانه وتعالى - فهو العمل بمقتضى كتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين، وهذا يتضمّن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر بين الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم. ولذلك؛ لا يمكن أنْ يُفلح ما عليه الناس مِن تصوّرٍ يُخالف مَنْهج الله -عزّ وجلّ -وقد قال–سبحانه((إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))فيا مَنْ تبحث عن النجاة في الدارين حذارِ مِن تكذيب قول الله -سبحانه وتعالى- بزعمك القدرة على التغيير بغير شرع الله -سبحانه وتعالى-!!!. إنَّ طريقة التغيير يجب أن تكون شرعيَّة ، والغاية لا تسوّغ الوسيلة، ولا يصلُح أمر هذه الأمَّة إلا بما صلح به أوَّ لها.وإنّي لأقسم بالله العظيم إنَّ التشكيك بمنهج الله -عزّ وجلّ - وكتابه وسُنَّة نبيّه صلى الله عليه وسلم لأخطَرُ من كل ما يُعانيه الناس م ن الظلم والجوع والفقر.
***
الرد على من يقول : ((هذا طريق طويل))
قال الكثير الكثير: هذا طريق طويل...إنَّه بعيد...فإلى متى يظلّ الانتظار،
فأقول:
إنّ الذنوب والآثام التي اقترفَها النّاسُ عبر سنين طويلة؛ هي التي تُطيل الطريق، ويلزم منها الأعوام الكثيرة. ولو كانت هناك أمراضٌ مُعدِية وأدواء فتّاكة تُرِكَت مِنْ غير علاج في دولة أعدادها هائلة؛ فهل يمكن إذهاب الداء خلال يوم أو يومين، وأسبوع وأسبوعين!!!، وما هو أقصر الطُّرق الصحيحة لتخليص المرضى مِنْ هذه المعاناة؟ وماذا لو قال قائل: هناك سبيل لتخليصهم مِن الأدواء في يوم واحد؛ وذلك بقتلهم كُلِّهم!!! هل هذا كلام العقلاء!!! ولو أنَّ شخصاً كان مِن طُلاّب المرحلة الثانويَّة، وقد تحفَّز لدراسة الطّب، وأخذته الأحلام أنْ يكون طبيباً متميزاً متفوقاً مُبدعاً، فما هي أقل السنوات ليحقّق هذا الشخص مراده؟ فإذا قال: هناك أسلوب أقصر؛ وهو أنْ يتخذَ عيادةً مُباشَرَةً دون دراسة ولا عمل ولا خبرة!!، فطريق الدراسة طويل وانتظار الخبرة مملّ، وافتتاح العيادة هذا اليوم خير مِن افتتاحها بعد سنين عديدة!! هناك طُرُق أقصر لكلّ شيء؛ في الأموال والنِّساء والمناصب... لكنّها على غير الصّواب...إنّها تأتي بالشَّقاء في الدّارين. وإذا قلتَ هذا الحال سبيله بعيد؛ فأقول: ليس هناك سبيلٌ أقصر، وليس هناك سبيلٌ أصحّ إلّأ هذا، قال –تعالى((﴿ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾. وحذارِ أن تكون ممّن يَتِّبعون السُّبل لأنّ فيها خيارات كثيرة كلها سريعة، وتبدو أنّها مريحة!! وفي الواقع سريعة لكنَّها غير مريحة لأنّها ليست صحيحة. حذارِ مِن تَرْكِ صراط الله المستقيم؛ لأنّه طويل يحتاج إلى عزيمة وثبات...
واعلم أنك قد لا تحصل على هذا ولا ذاك، فتأمَّل -رحمني الله وإيَّاك- كيف كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه-رضي الله عنهم- في تحقيق العدل والسعادة.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ يَقول(( وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون )) .
نقلا عن كتاب(((الفتن وسبل النجاة منها)) للشيخ حسين بن عودة العوايشة.
------------------------------
(1) عن خباب بن الأرث-رضي الله عنه- قال : ((شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) . أخرجه البخاري: 3613