إلى كل من يطعن في الشيوخ من أهل العلم,
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله بالسلام
الحمد لله و الصلاة على محمد بن عبد الله و على آله و صحبه و سلم تسليمًا كثيرًاو بعد،،
فمن باب المشاركة بالخير، و عدم احتقار شيء منه، نقول هذه الكلمات اليسيرات عسى أن ينفع الله بها من شاء من عباده إنّه وليّ ذلك و القادر عليه.
والله أسأل أن ييسر ما قصدت، و أن يذلّل ما أردت و أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، إنهجواد كريم.
قال الذهبي رحمه الله
" لا يتكلم في الرجال إلا تام العلم تام الورع "
وهذا الأصل تكلم عنه الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني في محاضرة له بهولندا تحت عنوان
"آثار الفقه في الدّين على العقيدة والمنهج والإختلاف"
قال:
... فعلى المسلم إذن عباد الله أنيعرف فضل التفقه في الدين وأنه خير ما تشغل به الأوقات، و يدل على ذلك ما رواهالبخاري في صحيحه من حديث معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قال، قال رسولالله صلى الله عليه و سلم:
" من يرد الله به خيرا يفقهه فيالدين"
فليبشر إذن، من رأى من نفسهإقبالا على التفقه و إعراضا عن مضيعة الوقت فيما لا يحسن و لا ينفع فليبشر بذلك. و ليخافمن رأى نفسه منصرف عن ذلك بما لا يعنيه، أنه ممن لميرد به الله خير. فإذا رأى الرجل نفسه مقبلا على التفقه في الدين و الإشتغال بماينفعه و الحرص على ذلك فليبشر بأنه ممن أراد الله به خير، و إذا رأى نفسه يجلس معالجماعة يضيعون وقته لاهُم يتكلمون في الطهارة و لا في أحكام الصلاة و لا فيالتوحيد و مسائله فأضاعوا أوقاتهم حتى أتاهم الموت وهم لم يحسنوا العمل لأنهمأضاعوا العلم، فهذا ممن لم يرد به خير، لاشك في ذلك.
واعلموا أنالأمر كما قال ابن القيم رحمه الله؛
قال :
إن للشيطان مع بنيالإنسان واديان لا يبالي في أيهما هلك: واد من الغلو و واد منالتقصير.
فإذا رأى إنسان مقبل على منهاج السلف، كيف يضيع عنهالعلم و الإقبال على المنهج الحق؟يجعله يغلوا فيالرجال
من جهتين يكون الغلو:
الجهة الأولى :أنه كل وقته يشغله بالكلام فى الرجال، فلا يكاد يجلس مع أصحابه ليتفقهمعهم، غلو لاشك، لأن الصحابة ما فعلوا و لا ابن عمر في دور البدع وقت القدرية ماكان بن عمر كذا: كان يجلس و يعلم أصحابه أحكام الطهارة و أحكام الصلاة إلى آخرهكإبن عباس و غيرهم مع ظهور أهل البدع كالخوارج، كل شيء له وقت، وقت للتحذير من أهلالبدع و وقت للتعلم للتفقه
و الغلو يجري من جهة أخرىو هو أن يطعن من ليس بأهل للطعن، لأن الله ما أمره بذلك، فهو تزيد في باب التقربإلى الله.التقرب إلى الله يكون في حق العالم الذي يتكلم في الرجال بعلم، فإذا كاندونه و تقرب إلى الله بالطعن في الرجال و هو ليس عنده أهلية فيحصل عليه بدعة عندالله، لأنه أراد أن ينصر الله لكن ليست على طريقة السلف و رسولالله.
لأنه ما عرف عن أحمد و هو يطلب العلم و يسلك الطلب أنه اشتغلبالجرح، حتى لما نضج و رجع إليه قال لا تجالسوا الحارث إنه مبتدع و قبل ذلك ما تكلمعنه بكلمة، و هو يتحفظ العلم ويدرسه إلا ما بلغه عن الرجال، كقوله سمعت يحيى بنسعيد القطان يقول: من أخد بمذهب أهل الكوفة في جواز شرب النبيذ (القليل المسكر) ومذهب أهل مكة في جواز نكاح المتعة و أهل المدينة في جواز سمع الأغاني فإنه فاسق.
كان ينقل ثم جائته فترة بعد ذالك، عرف نضج ثم تكلم فيالرجال...
( انتهى )
فإلى كل من يتكلم في أهلالعلم ( لا نقول طلاب العلم أو دعاة الفضائيات أو غيرهم من ......)،
هل أنت تام العلم تام الورع ؟؟؟
و ما نرجوه أن يكونجوابه، لا لست كذلك.
فيقال له حينئذ : ليس هذا عشكفادرجي!
و يخشى عليه أن يشمله قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ينزغ عقول أهل ذلك الزمان و يخلف لها هباء من الناس ، يحسبأكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء ".
فالحذر الحذر!!!
قال الامام مالك رحمه الله
"لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء،حتىيسأل من كان أعلم منه ؛و ما أفتيت حتى سألت ربيعة،و يحيى بن سعيد ،فأمراني بذلك وولو نهياني لانتهيت ".
و أما من لم يرضى بتزكية أهل العلم لعالم ما،و هم العدول الثقات - نحسبهم كذلك و الله حسيبهم - لا يختلف فيهم اثنان، فليس لناإليه من سبيل، و لو كان طالبا للحق لكفاه الدليل.
قالالشاطبي(الإعتصام)(ص431):
" والعالم إذا لم يشهد له العلماء، فهو في الحكم باقفي الأصل من عدم العلم ،حتى يشهد فيه غيره، و يعلم هو من نفسه ما شهد له به، و إلافهو على يقين من عدم العلم، أو على شك ؛ فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين علىالإحجام، لا يكون إلا باتباع الهوى، إذ كان ينبغي له أن يستفتي في نفسه غيره، و لميفعل، وكان من حقه أن لايقدم إلا أن يقدمه غيره ولم يفعل هذا ".
و أناأسئلكم بالله: رجل زكاه:
* إمام العصر، و
* محدث العصر،و
* فقيه العصر
و غيرهم من أهل العلم و الفضل، ثم ماذا بعدهذا الحق ؟؟؟
يقول ربنا تبارك و تعالى { فَمَاذَا بَعْدَالْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} .
و المعصوم من عصمه الله تعالى، و إلا فكليؤخذ من قوله و يرد إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و يجدر في هذاالمقام، نقل كلام نفيس للإمام العلامة ابن القيم رحمه الله. قال:
القلوب ثلاثة:
قلب قاسٍ غليظٌ بمنزلة اليد اليابسة لاحِسَّ فيها و لا حركة، و قلب مائع رقيق جداًّ. فقلبان على طرفي نقيذ: فالأول لاينفعل فهو بمنزلة الحجر، و الثاني بمنزلة الماء، و كلاهما ناقص. و أصح القلوب القلبالرقيق الصافي الصلب؛ فهو يرى الحق من الباطل بصفائه و يقبل الحق و يؤثره برقته ويحفظه و يحارب عدوه بصلابته.
و في الأثر: القلوب آنية اللهفي أرضه فأحبها إليه أرقها و أصفاها و أصلبها. و هذا القلب الزجاجي، فإنالزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة.
و أبغض القلوب إلى الله القلب القاس: قالتعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله". و قال تعالى " ثم قست قلوبكم من بعد ذالك فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوة ". وقال تعالى " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد".
فأبعد القلوب من اللهالقلب القاسي، فذكر الله رب العالمين القلبين المنحرفين عن الإعتدال، هذا بمرضه وهذا بقسوته و جعل إلقاء الشيطان فتنة لأصحاب هذين القلبين و رحمة لأصحاب القلبالثالث و هو القلب الصافي الذي ميَّزَ بين إلقاء الشيطان و إلقاء المَلَك، بصفاءقلوبهم و بقبول الحق و بإخباث هذا القلب و رقته، و هذا القلب يحارب النفوس المبطلةبصلابته و قوته. و قال تعالى عقب ذلك "وليعلم الذين أوتوا العلمأنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراطمستقيم ".
يقول ابن القيم رحمة الله عليه:قال لي شيخي ( يعني شيخالإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه) :
لا يكن قلبككالإسفنجة، و ليكن قلبك كالمصباح (كالزجاجة)،
قال: فما انتفعت بشيئ مثلما انتفعت بهذه النصيحة.
(انتهى كلامه رحمه الله)
فالإسفنجةبطبيعتها، تتشرب من المكان الذي وضعت فيه، فإذا وضعت في الماء تشربته، و إذا وضعتفي البول(أعزكم الله) تشربته، و هكذا، أما الزجاجة فلا تعاني شيئا من ذلك. و ليتأملاللبيب وصية الشيخ لتلميذه عسى أن ينتفع بها كما انتفع بها ابن القيم رحمه الله تعالى.
:
هذا و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله وصحبه الطيبين الطاهرين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و الله أعلم.