بسم الله الرحمن الرحيم ..
" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ "
{أَلَمْ تَرَ} أي ألم تنظر وتتأمل في قصة {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} لم يبين الله -عزّ وجلّ- من هؤلاء الذين خرجوا، فقيل:
إنهم من بني إسرائيل،
وقيل: إنهم من غيرهم،
والمهم القصة والقضية التي وقعت {من ديارهم} أي من بيوتهم وأحيائهم التي يأوون إليها،
{وهم ألوف} من صيغ جموع الكثرة، فقيل:
إنهم ثمانية آلاف،
وقيل: ثمانون ألفاً،
وإذا نظرت إلى صيغة اللفظ {ألوف} وجدت أنها تدل على أنهم أكثر من ثمانية آلاف، وأنهم عالم كثير .
{حذر الموت} مفعول لأجله، والعامل قوله تعالى: {خرجوا} يعني خرجوا خوفاً من الموت،
وهل هذا الموت طبيعي لأنه نزل في أرضهم وباء، أو الموت بالقتال في سبيل الله؟
في ذلك قولان لأهل العلم: فمنهم من يقول -وهم أكثر المفسرين-:
إن المراد: خرجوا من ديارهم خوفاً من الموت لوباء وقع في البلاد، فخرجوا فراراً من قدر الله، فأراد الله -عز وجل- أن يريهم أنه لا مفر منه إلا إليه،
وقيل: إن المراد: خرجوا حذر الموت بالقتل، لأنهم دهمهم العدو، ولكنهم جبنوا، وخرجوا خوفاً من أن يقتلهم العدو،
فالذين قالوا بالأول قالوا: لأنا إذا أخذنا الآية بظاهرها -{حذر الموت}- تبين أنه نزل في أرضهم وباء، فخرجوا من ديارهم خوفاً من الوباء،
والذين قالوا بالثاني قالوا: لأن الله -سبحانه وتعالى- قال بعدها: {وقاتلوا في سبيل الله} سورة البقرة(190)، فكأن الله عرض قصة هؤلاء الذين جنبوا وهربوا توطئة لأمرنا بالقتال في سبيل الله، وأن نصبر.
فلما كان فروا من قدر الله الكوني الذي لا مفر منه لكل كائن خلقه الله -تعالى-، حتى ولو فر هذه الفار إلى أي مكان فإنه لن ينجيه ذلك من قدر الله "الموت"، قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} سورة الجمعة(8)، وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} سورة النساء(78)..
فقال تعالى: {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}، وإذا أراد الله شيئاً فإنما: {يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، فماتوا، {ثم أحياهم}، "ثم" تدل على التراخي، وأن الله-سبحانه وتعالى- أحياهم بعد مدة، وقيل: إنه أحياهم لسبب، وهو أن نبياً من الأنبياء مرّ بهم وهم ألوف مؤلفة جثث هامدة، فدعا الله أن يحييهم، فأحياهم الله، وقال بعض المفسرين: إن الله أحياهم بدون دعوة نبي، وهذا هو ظاهر اللفظ، وأما الأول فلا دلالة عليه، وعليه فنقول: إن الله أحياهم ليُري العباد آياته، ولهذا قال: {إن الله لذو فضل} أي عظيم {على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون} فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم*.
و أخيرًا ، ما الفائِدة التي حصلتم عليها من هذه القصّة ؟!