jozef002 Admin
عدد المساهمات : 6107 27285 السٌّمعَة : 10 تاريخ التسجيل : 09/04/2010 العمر : 33
| موضوع: ملامح الأدب العربي قبل الإسلام الأحد يناير 23, 2011 4:45 am | |
| السلام عليكم
تتعدد الظواهر والتوجهات، لكننا في حاجة الى إعادة النظر الى كل مناحي حياتنا وتراثنا.
يعتقد البعض أن المنتج الأدبي المنطوق باللغة العربية على أرض الجزيرة العربية، ربما أقل مما يتوقع منه .. شعرا ونثرا، مع سيادة فكرة غلبة الشعر على النثر (يتمثل النثر فى الخطب والحوارات الشفاهية).. ثم غلبة فكرة "أغراض الشعر العربى القديم". وقد عمق ذاك اللبس المصطلح الشائع منذ قرون بعيدة "الأدب الجاهلي"، فاعتقد البعض أن الجاهلي هذا يرجع الى دلالات فنية.
لقد راج الأدب العربي واتسم بكل ملامح الأدب الحضاري المعبر عن دواخل وحياة أصحابه، خلال الفترة التى قدرت بحوالي ما بين قرنين الى خمسة قرون قبل ظهور الإسلام.
ربما يعد موضوع "أغراض الشعر العربي" هو المدخل الشائع فى تناول هذا الأدب. فقد قدم النقد العربي القديم مقولته الشائعة: أن للقصيدة العربية عدة أغراض، وبذلك يتابع تأكيداته بتحليل القصيد من خلال وجهة النظر تلك. وهو ما عبر عنه "حازم القرطاجي" بقوله:أن القصيدة العربية المركبة مكونة من مجموعة أغراض شعرية.. الأطلال، الغزل، وصف الصحراء، مشهد الصيد، الفخر، الهجاء، المدح، الحكمة.. وغيرها من الأغراض.
امتدت تلك النظرة على شكل أحكام نقدية أمدا طويلا، ويبدو أن تصنيف "أبو تمام" فى حماسته الشهيرة، وقد قسم مصنفه الى أغراض أو فنون، هو ما شجع النقاد على أن يسيروا على منهجه، ويمكن القول أن كتاب الحماسة لأبي تمام عزز تلك النظرة النقدية.
ثم جاء من حاول البحث عن تفسير مناسب للتركيبة الغريبة التي عليها القصيدة العربية من الأغراض الشعرية. ربما "ابن قتيبة" فى كتابه "الشعر والشعراء" هو أول من لفت الانتباه، ثم تبعه "ابن رشيق" فى كتابه "العمدة".. وغيرهما. واتجهت بعض المقولات النقدية نحو مقولة جديدة، من أن الفهم الحقيقي للشعر القديم يعتمد على فهمنا للبناء الخاص بالقصيدة، دون إزاحة مقولات من خارجها وإقحامها على فعل الشعر نفسه.
أما التناول النقدي الجديد/المعاصر، أعاد الى القصيدة العربية والى الشاعر العربي قبل الإسلام مكانتهما الفنية الواجبة. فليس المديح حكرا على فكرة "الاسترزاق"، وأن الوصف غرضا شعريا فى ذاته، وغيرها من المقولات التى شاعت لقرون طويلة.
مجمل المقولات تبرز وجهة النظر القائلة .. أن الشاعر القديم كتب قصائده، وأن لكل قصيدة بناؤها وفنيتها التى حتما استلهمها من البيئة, والتى وظفها اجتماعيا.. أو التى لها وظيفة اجتماعية أو ذاتية (المقصود هي الذات الجمعية وليست الذات الفردية).
من هؤلاء النقاد العرب المجددين: د.لطفي عبدالبديع" في كتابه "الشعر واللغة"، ود.كمال أبوديب في كتابه "الرؤى المقنعة"، ومصطفى ناصف في كتابه "دراسة الأدب العربي"..وغيرهم. وتشكلت وجهة النظر الجديدة حول قضية "أغراض الشعر".. والتي تتبنى مقولة: إن البناء الفني والتناول أو المعالجة الخاصة بكل قصيدة متوافقة مع ذاتها، مع عدم إهمال التراث الشعري للشاعر نفسه، ومدى تأثره به، وكذا عدم إهمال البيئة الطبيعية التى تحيط بهذا الشاعر أو ذاك، وأيضا عدم إهمال البنية الاجتماعية التى شكلت الشاعر.
لقد أصبحت المقولة الجديدة، واجبة الشيوع والانتشار من أجل المزيد من الفهم لذاك التراث الأدبى العربي قبل الإسلام:
إن الشعر العربي القديم لم يكن وصفيا للبيئة، محدودا بحدودها من أجل الوصف البلاغي فحسب أو لهيمنة البيئة/الطبيعة على وجدان وفكر الشاعر.. ولا هي قصيدة استرزاق أو مصدرا للرزق كغرض شعري في ذاته.
وكذلك لم تكن القصيدة العربية قبل الإسلام على هذه الدرجة من الحدة والانفعال، حتى أن البعض وصفها بأنها قصيدة حماسية انفعالية.
لم تكن البيئة الطبيعية بكل عناصرها..جماد، نبات، حيوان، إنسان، إلا عناصر عامة شيد بها الشاعر قصيدته. وقد تجلت هذا الشاعر من فرط وضوح وتوظيف تلك العناصر، مستعينا بذكائه الفطري.. مستعينا به في بناء قصيدته لتحقيق شاعريته الجميلة المتأملة العميقة للتعبير عن ذاته، ولم تنفلت من بين يديه القضايا الكونية التي تجلت في أسئلته العامة التى طرحها من خلال أشعاره.. كذا قضايا قبيلته السياسية والأيديولوجية.
وقد تعمد البعض الآن إمعانا فى فهم جديد للقصيدة العربية القديمة .. أن الشعر العربي القديم ينحو ناحية السلم وليس الحرب .. وهو ما قال به د.عبدالله العتيبي في كتابه "شعر السلم فى العصر الجاهلي".
يمكن الإشارة الى نماذج تطبيقية على تلك الرؤية الجديدة فى الشعر الجاهلي.. بعرض نماذج شعرية لبعض الأغراض المحتملة..
- الدعوة الى السلم ونبذ الحرب
لعل قصيدة زهير بن أبي سلمى اللامية أو معلقته الشهيرة من أشهر نماذج هذا الغرض وربما الأفضل هذا التوجه والملمح الشعري العربي القديم. يكشف الشاعر أن هدف الحرب النهائي هو السلام، وطلب السلام يسبق طلب الحرب.
"آمن أم أوفى دمنة لم تكلم
بحومانه الدراج فالمتثلم"
(أم أوفى= امرأة زهير، الدمنة = ما اسود من آثار الدار من الرماد، حومانة الدراج والمتثلم= موضعان بنجد)
ويعني الشاعر، ما لك تتكلمين أيتها الدار الخربة بسبب الحرب، وقد كنت مقيما طيبا.. وهكذا يتوالى القصيد لابراز النتيجة فى نهاية القصيدة.
والشاعر يفهم المعنى الحقيقى للسلم، انه السلام العادل.. وهو القائل:
"ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم"
- إذكاء الثقة بالنفس
يقول عمرو بن كلثوم فى معلقته:
"بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمرا قد روينا"
وهو يعني معبرا عن ثقته أنه يدخل المعارك والصعاب وراياتها بيضاء، لكنه بعد المعارك حمراء، وقد رويت بدم الأعداء.
- الحنين الى الديار والأمصار
كان الشاعر المتلمس الضبعي ممن يعدون من أشعر المقلين قديما، وقد هجا عمرو بن هند ملك الحيرة، فحرم عليه البقاء وطرد منفيا الى الشام.. هناك كتب يقول عن حنينه:
"حنت قلوصي بها والليل مطرق
بعد الهدو وشاقتها النواقس
حنت الى نخلة القصوى فقلت لها
بسل عليك ألا تلك الدهاريس"
- الدعوة الى الانتماء والتمسك بالهوية
هناك أعمال شائعة حول هذا المنحى، منها رسالة الأب الشاعر عمرو بن الأهتم ودعوته لابنه بالانتماء الى قبيلته (التي هي بلدته وأمته بمفهوم عصره).
"أجدك لا تلم ولا تزور
وقد بانت برهتكم الخدور
كأن على الجمال نعاج فو
كوانس حسرا عنها الستور"
وتتعدد الظواهر والتوجهات .. أما تلك النظرة الجديدة فقد سقطت على النثر كما على الشعر العربي القديم. ويمكن العثور على الكثير منها فى الكتب التراثية التي سجلت مجالس العرب مع الأكاسرة والقياصرة والنماردة.
بل كان العرب على ثقة من أنهم من اشرف الأجناس على الأرض..نسبا وحسبا، وأنهم أبطال الوغى، أهل النجدة والمرؤة..وكلها وغيرها مرتكنة الى الثقة بالنفس.
بكتاب "العقيد الفريد" مساجلة هامة بين النعمان بن المنذر وكسرى فى حضور وفود الهند والروم والصين.. فالعرب يعتقدون أنهم أشرف الأجناس، بينما يرى الفرس والروم أنهم أحق بالسيادة والقوة!
وخلاصة القول أننا فى حاجة الى إعادة النظر الى كل مناحي حياتنا وتراثنا بالتالي من أجل غد أفضل. | |
|