سارة سوسو Admin
عدد المساهمات : 3024 17831 السٌّمعَة : 100 تاريخ التسجيل : 01/01/2011 العمر : 35
| موضوع: أثر القرآن الكريم في ضبط نفسية القرآن الأربعاء مارس 16, 2011 3:14 am | |
|
أثر القرآن الكريم في ضبط نفسية الإنسان أحمد بن محمد العمراني
يتمحور هذا الموضوع حول مفهومين أساسيين: أولهما: النفس البشرية، وثانيهما: أثر القرآن في ضبطها وانضباطها. فالإنسان مكوَّن من ثلاث لطائف: «العقل، والقلب، والنفس» حيث إن دين المرء محكوم بعقله، فلا دين لمن لا عقل له، وبعض الأفعال التي تقتضيها صورة الإنسان ـ كالغضب والرضا، والجرأة والخوف، والجود والشُّح، والسخط والقبول ـ محلُّها القلب، وبالنفس يشتهي الإنسان ما يستلذُّه من المطاعم والمشارب والمناكح.
■ النفس البشرية، قواها وأنواعها: حديثنا إذن يهم النفس؛ الهوية الحقيقية للإنسان، ومحتواها الحقيقي هو الذي يحدد وجهة الإنسان نحو السعادة، ويبين مصيره المستقبلي. فالنفس في الإنسان هي صورته وهواه ورغباته وشهوته، وهي أثر من آثار الروح التي تمنح النفسَ القوةَ لأداء خواصِّها بأمر الله ـ تعالى ـ كما ورد عن بعض السلف: «إذا دخلت الروحُ الجسدَ سُمِّي نفساً، وبها تحسُّ النفس وتشعر وتبصر وتسمع وتشمُّ وتتذوق». فالنفس ترى بالعين، وتسمع بالأذن، وتحسُّ بواسطة مسام الجلد، وتتذوق بواسطة الخلايا الموجودة في اللسان. هذه الأحاسيس والإدراكات العقلية ـ بمجموعها ـ غير المادية هي ما يسمى بالنفس الإنسانية؛ فإذا أخذ الله الروح وخلي الجسد منها، انقطعت تلك الطاقة عن الأسلاك العصبية، وفقدت تلك الحواس، فماتت النفس التي عبَّر القرآن عنها في قوله ـ تعالى ـ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ} [آل عمران: 185]. فعن طريق النفس ينصرف الإنسان إلى أمانيه المادية وشهواته الدنيوية، فينحطُّ بقدر اشتغاله في تلبية ذلك، وانصرافه عما يسمو به من فضائل وطاعات، أو يعلو ويسمو بانصرافه للفضائل الإيجابية، فيرتقي بقدر إعمال نفسه في الدرجات. وهذا يعني ويبين أن للنفس مراتب، وأنها تخضع للتغيير والتبديل من حالة إلى حالــة، كما حقَّـق القـرآن ذلـك فـي قولـه ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. فإذا نظرنا إليها في تقلُّباتها هذه وجدناها تمرُّ عبر قوى أساسية تتمثل في: قوة الشهوة، وقوة الغضب، وقوة العقل. فبالعفة تهزم الشهوة، وبالشجاعة ينهزم الغضب، وبالحكمة والحرص عليها يسمو العقل، ولجميعها يحتاج الإنسان؛ فلو كان عقلاً فقط لكان ملَكاً، لكن الله خلق الإنسان الذي يخطئ ويصيب، ولو كان غضباً فقط لكان سَبْعاً، لكنه يحتاج إلى القوة الغضبية ليدافع عن نفسه، ولو كان شهوةً فقط لكان بهيمة، لكنه يحتاج إلى الشهوة ليعيش ويتناسل. وحسب استخدام هذه القوى المذكورة تمرُّ النفس الإنسانية بمراحل تتصف فيها بصفات ثلاث، هي:
■ أولاً: النفس اللَّوَّامة: قال ـ تعالى ـ: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 1 - 2]. حيث أقسم سبحانه بيوم عظيم؛ لتحقيق وقوعه وبيان هوله، وإيقاظ النفوس النائمة الغافلة عنه، فتصحو وتنتبه من سُباتها. وقد ذكر الله ـ تعالى ـ النفس اللَّوَّامة إثر قسمه بيوم القيامة للعلاقة الوثيقة بين مصير النفس وقيام ذلك اليوم، حيث تقف فيه وحيدة دون نصير؛ فهي نفس تفعل الخير وتحبه وتعمل المعصية وتكرهها، نفس تعيش في داخلها صراعاً بين الخير والشر. فالإنسان في بداية أمره إذا ارتكب ذنباً أو خطيئة ابتداءً، شعر في داخله بإحساس يؤنِّبه، وتمنَّى لو لم يفعله، وإذا عاد إليه ثانية ضعُفت خاصية الشعور بالذنب والخطيئة، وانتقل صاحبها إلى مرحلة الميل إلى المعصية واستحسانها، لتنتقل نفسه من لوَّامة إلى أمَّارة بالسُّوء.
■ ثانياً: النفس الأمَّارة: حيث تميل النفس إلى السوء وحب العصيان، والغفلة عن الطاعة والعبادة، ويُطلق عليها: النفس الأمَّارة بالسوء؛ نفسٌ استحوذ عليها الشيطان وسيطر على سلوكها وذوقها، وقتل فيها الحياء والعفَّة. هذه النفس تعلِّل فجورها واستمرارها في المعصية بنسبة كل ما يفعله الإنسان إلى البيئة والآباء أو المجتمع، قال ـ تعالى ـ: {وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف: 28]. فتستكبر وتقع في الظلم لتقع في الخسران الأبدي. قال ـ تعالى ـ: {إنَّ الْـخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الشورى: 45]. وسبب ذلك حدَّده الشارع في قوله ـ تعالى ـ: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} [الفرقان: 21].
■ ثالثاً: النفس المطمئنَّة: نفس راضية استسلمت لخالقها برضىً وقناعة، لا تفعل إلا ما تيقَّن لها صلاحه، نفس تحقق لها الورع والإخلاص، وسمت عن الدنيا وشهواتها، واشتغلت عنها بعمارة عالم الآخرة الباقية الخالدة المحدَّدة في قوله ـ تعالى ـ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، نفس استحقت الذكر والتمجيد في قوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30].
■ مفهوم الضبط والانضباط: الارتقاء بالنفس والنهوض بها ـ باعتبار طبيعتها التغييرية ـ يحتاج إلى ضبط وانضباط خاصَّين، يستمدَّان أصولهما من كتاب الله، الذي تحدَّث عن مراتب النفس، وبيَّنها من خلال سوره وآياته. وقبل تحديد ذلك نحتاج إلى بيان مفهوم الضبط والانضباط. فالضبط هو لزوم الشيء وحبسه، والضابط هو الذي يلازم ما يضبطه، ويصبر نفسه معه حفظاً وحزماً، والأضبط الذي يعمل بيديه جميعاً، و «ضبط» فعل يتعدَّى بنفسه، بمعنى أنّ له فاعلاً ومفعولاً، فالفاعل هو الضابط والمفعول هو المضبوط، أي الموضوع والمجال الذي يقع فيه أو به أو عليه الفعل والعملية الضبطية(1). فإذا انصرف المعنى إلى ضبط النفس وانضباطها دلَّ على حبس النفس عن الشر وإلزامها بالخير مع الصبر عليها والحزم معها. وهو ما أطلق عليه علماء التربية بتزكية النفس في مقابل تدسيتها. وقد أقسم الخالق ـ سبحانه ـ أقساماً سبعة في مطلع سورة الشمس على أن المفلح من زكَّى نفسه والخاسر من دسَّاها، فقال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 1 - 10]. والمقصود بالتزكية هنا: طهارة النفس أو تطهيرها وتنظيفها، مخالفاً للدسِّ الذي هو كناية عن الإغراق في الوسخ والأوحال. ولا يعني ذلك أبداً التزكية مطلقاً لما تعترضها من سلبيات، مثل: الاستعلاء والتكبر والترفع الذي نهى الله ـ تعالى ـ عنه، كما في قوله: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النساء: 49]. والقرآن هو طبُّ النفوس باعتباره روح الروح ونور البصيرة، به يتحقق الضبط والانضباط، كما قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـَـاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]. والنور يضيء ويبين الأمراض، ويهدي إلى طريق الصواب، ولا يتم ذلك إلا بتحديد أمراض النفس المهلكة التي سطَّرها القرآن، من أجل تقديم الدواء الناجع لها من آياته وسُوره العِظَام.
■ آفتا النفس البشرية: فالنفس معرَّضة لآفتين ذكرهما القرآن ـ وبمعرفتهما يُستعان على تحقيق الضبط والانضباط لنفس الإنسان ـ هما الخطأ والنسيان، وهما مستمدَّان من آية يعلِّمنا فيها الخالق أن ندعوه ونسأله عدم المؤاخذة فيهما في قوله ـ تعالى ـ: {لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]؛ حيث إن أول معصية وقعت في الكون من قتل الإنسان كانت بسبب النسيان، لقوله ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115]. وسبب ذلك وسوسة الشيطان كما قال ـ تعالى ـ: {فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْـلَى} [طه: 120]. ووساوس الشيطان لا تنتهي، كيف وقد أقسم الشيطان بعزَّة الرحمن أن يغرِّر بالإنسان ويوقعه في جملة من المعاصي والآثام؛ حيث ذكر القرآن على لسانه: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْـمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 - 17]. وقوله: {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} [النساء: 118 - 119]. والهــدف هـو أن يقعـ الإنسـان في نسيــان ذكــر الــله، كما قال ـ تعالى ـ: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة: 19]. ومن الطبيعي أن تقع النفس البشرية في الخطأ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم - : «كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون»(1). بل لو لم تخطئ لغيَّرها الله بغيرها من أجل التوبة والمغفرة، لقوله -صلى الله عليه وسلم - : «لو لم تذنبوا لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم»(2). والخطأ يصدر عن النفس بدلائل من القرآن، منها: قوله ـ تعالى ـ: {أَوَ لَـمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. وقوله ـ تعالى ـ: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]. وما ورد على لسان الأبوين آدم وحوَّاء ـ عليهما السلام ـ: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23]. وقوله على لسان ملكة سبأ: {قَالَتْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]. وقوله على لسان موسى كليم الرحمن: {قَالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} [القصص: 16]. وقوله على لسان امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53]. وقوله ـ تعالى ـ حكاية لقول الشيطان حين القضاء بين العباد: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْـحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إنَّ الظَّالِـمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22].
| |
|