كان
يمشي مسرعا بأشهر شوارع المدينة التي يقطنها في ذلك الجزء الشمالي من بلد
المهجر الذي اختاره بديلا عن بلد الدفأ والشمس والورود
وكانت ما تزال الامطار تنهمر بشدة وما يزال البرد ينخر العظم والكل مسرع باتجاه عمله او باتجاه مكان ما من هذا العالم
وبينما البرد يحثه على إسراع الخطى وبينما الوقت يداهمه للحاق بأول مترو
يوصله لبيته في ضواحي هذه المدينة كان وقع خطواته يتسارع على الرصيف ويسمع
نعل حذائه وهو يصدر أصواتا متلاحقة تحثه على المزيد من السرعة
مرّ بإحدى الواجهات المضاءة بشكل ملفت والمزينة بشكل جميل يدعو للتوقف والانتباه
فتوقف بشكل مفاجيء وسريع مما أدى للأرتطام ببعض المارة به وتبادل عبارت الأسف
ولكن ما هذا؟ تسائل بينه وبين نفسه
إنها ألعاب .... لا بل صمديات .... لا بل أشياء مخصصة لغرف الأطفال
إلى أن وقعت عيناه على البيض الملون
أه .... يا إلهي إنه عيد الفصح
نعم كنا نسميه بصغرنا عيد البيض
وكم جميلة تلك الأيام عندما كنا نلون البيض ونتفنن بالرسم عليه وتجميله
أخذه الوقت وهو يتأمل الأرنب بسلة البيض الجميلة التي يحملها
والدجاجة وفراخها وقد وضعوا بطريقة جميلة رائعة وبينهم الكثير من بيوض العيد المونة المزركشة بالكثير من العناية
وقد طغى اللون الأصفر على اغلبية الموجودات فبدت و كأنها الربيع بحد ذاته
وسرحت به الذاكرة وهو طفل صغير يركض بين حقول قريته وفي جنباتها يجمع
الورد الأصفر من كل مكان ليساعد أمه واخوته بصبغ البيض والكل ينهيه ويقول
له جمعت ما يكفي
ولكنه حماسه وحيوته لا تسمحان له بالتوقف
إنها أيام الفصح الجميلة حيث في بلده تكون الشمس ساطعة بمثل هذا الوقت من
السنة ويكون الربيع قد نشر بساطه الأخضر بكل مكان حتى تخال ان الدنيا
استحالت لجنه حقيقة
والورود انتشرت بالوانها المتعددة واشكالها الجميلة وأكثرها الورد الأصفر الذي ينتشر عبر حقول وبمساحات لا حصر لها
وكم كانت فرحته كبيرة عندما كانت امه تصنف بيض العيد وترتبه في الأواني
الخاصة له حسب لون كل بيضة وكبرها وجماليتها فيرقص حولها فرحا بانه ساهم
بهذا العمل وشارك بالتحضير للعيد
ولم تكن حينها لديهم ما هو معروض على هذه الواجهة من كماليات ومن شكليات
بل كانت الأمور بسيطة وغير معقدة بل وفيها من الطيبة الكثير ... لكن
وبالغرم من ذلك كان العيد اجمل وابهج واكثر متعة وسرورا
تابع طريقه وتابعت ذاكرته جولتها على تلك الأيام مع خطوات مثقلة
حزينة...أخذت الذكريات تتدافع برأسه ما بين أحد الشعانين وأغصان الزيتون
المزينة واجتماع الأولاد لكأنمهم بمظاهرة حقيقة
ومابين الجمعة الحزينة وانهماك النسوة بالتحضير للعيد على كافة الأصعدة
وصولا ليوم العيد حيث كان والده ولانه الصغير بين اخوته يختار له أقوى
البيوض وأكثرها صلابة ليبارز بها أبناء الحي ويعود مساء إما غالبا او
مغلوبا وللحالتين في العيد بهجتهما وروعتهما
وبينما كل هذه الذكريات مرت اما ناظريه كحلم جميل
أفاق من حلمه القصير ليجد موظف المترو يناديه : بطاقتك سيدي
أدرك حينها ان الوقت مر ولن يلحق بعربة المترو التي اسرع جاهدا ليستقلها
وكذلك لن يلحق باستعادة ما تبقى من احلامه في ذلك الجزء من العالم حيث
كانت الطفولة وكان العيد وكان الفصح وكان البيض الملون وكان لكل شيء طعم
آخر ومعنى آخر .