تستطيع أن تغير حياتك في خمس دقائق .. هذه ليست نكتة أو مجرد موضوع من الموضوعات التي تعتمد الاكليشيهات لمغازلة القراء علي غرار ' دع القلق وابدأ الحياة', فقبل أن تشرع في التريقة, أو تستهين بهذه الدعوة, حاول أن تتذرع بالصبر إلي نهاية هذا الموضوع.
بالطبع قبل أن تلتقط أصابعك المجلة وتشرع في قراءة هذا الموضوع, كنت تفكر في مشكلة ما تؤرقك أو قل مشاكل وأزمات تراها عصية علي الحلول, لست وحدك, وإنما جميعنا نعاني مثلك تماما , عندك مشاكل البلد علي سبيل المثال, بطالة وشركات تسرح موظفيها وتآكل في الاحتياطي, وغلاء الأسعار وازدحام شديد في الطرق لأن جميع الميادين مغلقة بسبب الإضرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية, إلي آخر المنغصات اليومية.
طبيعي أن تشغلك مشاكلك, إن لم يكن من منطلق وطني, فعلي الأقل من منطلق شخصي,وهذا حقك, ربما تكون من جرحي الثورة, ونحن لا نقصد أنك لا قدر الله قد أصبت في مظاهرة أو طارت لك عين في أحداث محمد محمود, ولكن يمكن أن تكون قد خسرت عملك بعد أن قام كثير من أصحاب الأعمال بتسريح موظفيهم بسبب الوضع الاقتصادي الصعب, أو بسبب الانتقام من الثورة لأنهم كانوا مستفيدين أكثر من الوضع السابق, وأقل المشاكل التي تواجهها حاليا ارتفاع الأسعار بشكل جنوني حيث أن كيلو الأرز أصبح بسبعة جنيهات فيما كان قبل الثورة لا يزيد علي ثلاثة جنيهات!
كل هذه المشكلات يمكن أن تكون وقعت علي دماغك فجأة ولا تجد لها أي حلول, وبدلا أن تفكر في حل قمت بعملية هروب كبيرة مرة إلي برامج التوك شو حيث يظهر فيها أناس علي أعلي درجة من الأناقة والشياكة ولا يظهر من شياكتهم أنهم يعانون مثلما نعاني ويكابدون مثلما نكابد, ومع ذلك يقدمون أنفسهم علي أنهم ثورجية زمانهم, ويدعون إلي المظاهرات المليونية ويتخاصمون فيمن شارك والذي لا يشارك, وتجدهم أنفسهم يتصارعون علي مقاعد البرلمان, ثم إنهم أيضا الوجوه البارزة في المجالس الاستشارية وغير الاستشارية, هم يحلفون بالله وكل عزيز وغال أنهم من أبناء الشعب الغلبان, ولكن لا يبدو أنهم علي اطلاع بأحوالنا خصوصا الاقتصادية كأنهم كائنات من كوكب آخر يتكلمون عن بلد لا يعرفونه !
فإذا ما مللت من تكرار الوجوه,وبعضهم بالنسبة لنا ظواهر غريبة لأننا لم نكن نعرفه قبل الثورة, وغلي الدم في عروقك من هذه المكلمة والصداع ومحاولة البعض الاستعراض وصك التعبيرات الكبيرة, والمباهاة أنه أول من أطلقها وقررت الهروب الي النت والفيسبوك, تزايد إحباطك من كم الشائعات والدعوات الي إشاعة الفوضي والبلبلة!
ما علينا .. هذه مشاكل البلد وتلك مشاكلنا .. هناك حل سهل وبسيط أن نظل نتعاطاها يوميا, أو نستمر في اجترارها والشكوي منها من غير محاولة التفكير في الحل, سوف ترد سريعا وتقول, هو أنا قادر علي مشاكلي لما افكر في حل مشاكل البلد, سأرد عليك قائلا 'مع أنه ليس هناك انفصال بين مشاكلك ومشاكل البلد, ولكن ابدأ بنفسك, بمعني أنك تكون إيجابيا في حل مشاكل نفسك, وقبل أي رد متسرع منك دعني أسوق القصة التالية:
مجدي شاب كان عمله قبل الثورة مدير أفراد في شركة لتسويق العقارات حيث إنه متخصص في التنمية البشرية.. تخصص مهم جدا, ولكن مشكلته أنه غير معترف به من كثيرين في البلد, عندما قامت الثورة وتأزم الوضع الاقتصادي, كان هو أول من فكرت الشركة في توفيره, وهو من وقت أن قامت الثورة حتي الآن لا يبرح منزله لأنه ببساطة لا يجد من يؤمن حاليا بتنمية الأفراد.
عندما تناقش الفكرة مع مجدي تجده واقفا عند مشكلة تخصه, ويربط بين وضعه الصعب ووضع البلد,وهو ينتظر الفرج في أن تتحسن ظروف البلد فتتحسن ظروفه , وهذا تفكير معقول, وإن كان الأفضل أن يبدأ بحل مشكلة نفسه, فهذا أيسر وأسهل وأسرع, بمعني أن يبدأ بحل مشكلته ثم يكون هناك محاولة لحل المشكلة الكبيرة, فإذا كان تغيير العالم صعبا ويأخذ وقتا عليك علي الأقل ان تبدأ بنفسك.
ثم بالنسبة للتخصص, المنطق يقول لك اذا كان ما تعلمته أصبح لا يفيد في الحصول علي لقمة عيش أو لم يصبح مطلوبا فتعلم مهنة تكون مطلوبة, وطبعا سوف تقول في عقل بالك ' بعد ما شاب ودوه الكتاب ' وهذا مردود عليه بأن ملكة التعلم تموت في الانسان مع موته, وهناك قصة حدثت في أحد البنوك المصرية الذي قرر فجأة الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين لأنهم غير مناسبين للتطور التكنولوجي الذي أزمع البنك إدخاله الي منظومة العمل, واقترح البنك عدة حلول منها المعاش المبكر والتعويض أو نقل الموظفين الي وظائف أقل أهمية لا تتطلب التعامل مع التكنولجيا الحديثة, وكانت المفاجأة المذهلة أن معظم الموظفين الذين كانوا مرشحين لهذا المصير المؤسف قد نجحوا في الاختبارات التي أجراها البنك بعد تدريب بسيط !
ويقول الدكتور عبد المنعم بركات أستاذ الإدارة بمعهد إعداد القادة إن الخبراء يؤكدون أن ذكاء الإنسان لا يعرف حدودا, وأنه إذا اكتسب المهارات المناسبة استطاع تحسين قدرته علي التعلم. وهذه المهارات فطرية يتمتع بها جميع البشر, مما يتيح لأي منا إتقانها مع كثير من الممارسة والتدريب والمران..
وهناك كثيرون غيروا الوظيفة أو ' الكرير ' بسبب أنه أصبح لا 'يؤكل عيش' أو لأي ظروف أخري, الحلاق الذي أتعامل معه هو أساسا مدرس لغة عربية لم يكن دخله من الوظيفة يكفيه, فانتهز فرصة أن أحد أقربائه افتتح صالونا للحلاقة في منطقة راقية, وتعلم المهنة وأصبح الآن المدير الفعلي لهذا الصالون, وبالمناسبة هناك مدرسة لتعلم الحلاقة .وركبت مع سواق تاكسي هو أساسا مهندس أو مصمم لنوع من المواتير والشركة قامت بفصله تعسفيا فرفع قضية علي الشركة, ولكن لم يجلس في بيته انتظارا لنتيجة القضية ولكن يحصل علي قوت يومه من قيادة التاكسي, هناك قصص أخري كثيرة تحدث كل يوم تدل علي القدرة الخرافية للتعلم وإعادة التأهل للحياة, وهناك نظرية تقول لك إذا فقدت عملك بسبب مشكلة خارجة عن إرادتك فاعلم أن ما كنت تقوم به من عمل لا يمثل كل قدراتك ولكن يمثل بعضا منها, والبعض الآخر لم يختبر, وما عليك إلا تكتشاف قدراتك أو تذكر الخبرات الأخري لتستفيد منها.
وقال لي أحد الذين فقدوا وظائفهم بسبب أحداث الثورة وكان يشغل وظيفة إدارية أصبحت غير مطلوبة, إنه بعد أن جلس في بيتهم لا يفعل شيئا ينفق من مدخراته وهو عبارة عن مبلغ تافه كونه من عمله بالسعودية لفترة صغيرة, تذكر فجأة أنه له خبرة لا بأس بها في مجال التسويق, حيث إنه سبق أن شارك آخرون في محل لبيع الأنتيكات, وهو يحاول الآن استغلال ملكة التسويق, وبعضهم عندما يكتشف في نفسه بعض القدرات يدعمها ببعض 'الكورسات' ليضيف إلي نفسه مهنة لم تكن موجودة.
.وهناك نظرية للبعض لا تعتمد هذه المرة علي العلم ولكن علي الخبرة اسمها ' قلب رزقك في الحياة ' وكل شيء قابل للتجارة, الي درجة أنك لا تعرف لبعض الناس مهنة معينة, ولكن يعملون كل شيء ويربحون من أي شيء, علي اعتبار أن الشكوي والاستسلام هما حيلة العجزة, ويقال إن الممكن سأل المستحيل : أين تقيم ؟ فأجابه في أحلام العجزة !
وهناك خبراء 'استيراتيجيون' في الحياة يقولون لك إن الإنسان يحتاج أحيانا الي تغيير استيراتيجية حياته, أو عمل نقلات حادة في وقت الأزمات, وعليه أنت مطلوب منك أن تعيد نظرتك للحياة دائما لأن الحياة لا تسير علي وتيرة واحدة, ولكن تعترضها مفاجآت وصدمات عليك أن تتعامل معها. ويقال إن العظماء في العالم سبب نجاحهم أنهم عرفوا كيف يغيرون استراتيجيتهم في الحياة, ولكن أنا لا أميل إلي أخذ العظة من العظماء بقدر استخلاصها من أناس بسطاء أمثالنا, وكل يوم تسمع قصصا وحكايات عن أناس رفضوا الاستسلام للهزيمة في هذا العالم, منهم هذه السيدة التي لم تستسلم لظروفها الصعبة ولم تلطم الخد علي حظها العثر إنما زاحمت الرجال في وظائف صعبة مثل قيادة الميكروباص بين العتبة والدويقة.
وهناك من يقول لك إنك لا تحتاج أكثر من خمس دقائق لحل مشاكلك في الدنيا, بشرط أن تتخلص أولا من داء عضال اسمه حب الشكوي وسكب الدموع علي أشياء لن يفيد فيها البكاء, ولكن اجلس مع نفسك خمس دقائق, وواجه مشاكلك بشجاعة, وحاول أن تضع بنفسك خطة لحل هذه المشكلات, ويمكن الاستعانة بصديق مخلص يكون أول شرط فيه ألا يكون انهزاميا, ولكن صديق عاقل لديه قدرة علي ابتكار الحلول, علي أن تكون لهذه الحلول بدائل, فإذا فشلت خطة فإن هناك خطة بديلة حاول أن تكون واقعية بقدر الإمكان, وليست محلقة في الأوهام والأحلام, وتذكر أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة, ثم ما عليك بعد ذلك إلا أن تأخذ بالأسباب وتتوكل علي الله, وتسأله التوفيق, ما نقوله ليس اختراعا ولا سحرا ولا شعوذة, ولكنها خلطة مجربة.