كيف تقضي على الشيطان في حياتك؟
أعلى النموذج
إن مسألة مواجهة كيد الشيطان من أعقد مسائل المواجهة، وذلك لأن هذا العدو اللدود، يجمع بين (خاءات) ثلاث: الخفاء، والخبث، والخبرة.. فمن ناحية يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه، ولنتصور معركة، أحد طرفيها: جيش مدرب لا يمكن رؤيته، أ وهل يمكن للخصم أن يقاوم ذلك الجيش لحظة واحدة؟.. ومن ناحية أخرى يعيش حالة الحسد المتأصل لبني آدم الذي كانت خلقة أبيهم آدم (ع) مصادفة لأول أيام شقاءه، ومن هنا أضمر الحقد الدفين لاستئصال الجنس البشري، وسوقه إلى الهاوية.. ومن ناحية أخرى له تلك الخبرة العريقة في عملية الإغواء، والتي شملت محاولات التعرض لمسيرة الأنبياء والمرسلين (ع) وإن باءت بالفشل بالنسبة لهم.. ولكن ما حالنا نحن الضعفاء والمساكين؟..
إن القرآن الكريم تناول في أكثر من 60 آية مسألة الشيطان بتأكيد وتحذير، قل نظيره في القرآن الكريم، فينقل تحديه لرب العالمين، إذ أقسم بعزته على إغواء الخلق أجمعين، لا يستثني منهم أحدا إلا المخلَصين (بفتح اللام).. ولكن من هم المخلصون؟.. إنهم الذين اصطفاهم المولى لنفسه، وجعلهم في دائرة جذبه وحمايته.. وترى القرآن الكريم ينقل عنه التعبير بــ (لاحتنكن ذريته) المشعر بأنه يتخذ من الإنسان دابة، إذ يجعل اللجام في حنكه الأسفل، ليقوده قود البهائم!.. فيا له من تحقير عظيم لمن ركبه الشيطان، فاتخذه مطية يحركه بإشارة -لا بجهد جهيد- نحو اليمين ونحو الشمال.. أوَ هل هناك تحقير أعظم من ذلك؟..
إن القرآن الكريم يحذر من خطوات الشيطان.. إذ أنه لخبرته ودهائه، لا يجر الإنسان إلى المعصية بضربه واحدة -لعلمه بعدم الانقياد له في المحرمات الكبيرة- ولكنها الخطوات المدروسة التي يتورط بها العبد، منتقلا من معصية إلى معصية.. ومثاله التطبيقي في عالم هوى النساء: هو الابتداء بالنظرة، ثم الابتسامة، والسلام، والكلام، والموعد، واللقاء حيث الارتماء في أحضان الشيطان المنتقم، وإن كان ظاهره هو الارتماء في أحضان بنات الهوى!..
لا بد من التعرف على الأدوات التي يصطاد بها الشيطان أعوانه.. فالقرآن الكريم يذكر الخمر والميسر مثالا لأداة الجريمة، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ...).. ولكل عصر: خمره وميسره.. أو ليست بعض القنوات والمواقع الإباحية، من أدوات إيقاع الشيطان الضحية في شباكه!..
تلك الشباك التي من وقع فيها لا يخرج منها إلا بندامة -لو تاب- أو بخزي أبدي فيما لو استغرق في التوغل في عالم المعصية.. إن الذي ينظر إلى المذكورات على أنها مصائد إبليس، فإنه سيستوحش من عواقبها، بدلا من الالتذاذ الوقتي الذي لا دوام له سوى وخز الضمير، وعذاب الوجدان.
يذكر القرآن الكريم عينة من أعلى درجات الانتكاس التي تجعل المؤمن المتفوق في إيمانه، يعيش أعلى درجات الخوف والوجل، عندما يستحضر هذه العينة المخيفة التي استحوذ عليها الشيطان، وذلك هو الذي آتاه الله تعالى آياته، والتي فسرت بـ (الكرامات الباطنية والفتوحات الأنفسية).. ولكنه خلد إلى الأرض، واتبع هواه، وانسلخ مما كان فيه، ليتحول إلى من يشبهه القرآن بالكلب، الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.. أو ليس في ذلك منتهى التحذير لعدم الركون إلى ما عليه الإنسان من الصلاح والسداد، فإن الأيام هي التي تكشف عن ثبات الجوهر، ومدى أصالته.
يذكر القرآن الكريم (الربا) كوسيلة من وسائل التصرف الشيطاني في الإنسان، فيقلبه إلى مجنون لا عقل له!.. فتأل قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).. إن المرابي عندما يستلقي على قفاه -فرحا بما اكتسبه من المال الحرام- عليه أن يعلم أن ملكوت فعله هي هذه الصورة المقيتة، التي سيكشف الغطاء عنها يوما ما، حيث بصره حديد، ولكن بعد فوات الأوان!.. وقس عليه ملكوت كل فعل قبيح عند المولى الباقي، وإن كان جميلا عند العبد الفاني.
إن من المخيف حقا اصطلاح شركة الشيطان فى مال البعض وأولادهم، وقد فسر ذلك بطائفتين:
الأولى: أولاد الزنا الذين انعقدت نطفهم، فى جو شيطاني من الهوى والرذيلة..
والثاني: أولاد الحلال الذين لم يحسن الآباء تربيتهم، فكانوا كالطائفة الأولى ممن أصبح الشيطان له سهم فيهم!.. ومن الواضح أن الشريك يطالب بمال الشركة دائما، وخاصة إذا كان خبيثا حريصا، كالشيطان الرجيم.
إن للشياطين على الأرض مواطن يجول فيها ويصول، ومنها: الأسواق، وبلاد الكفر، ومواطن غلبة المعاصي كاختلاط الجنسين.. وعليه، فعلى المؤمن أن يتدرع بأقوى الأسلحة قبل النزول إلى تلك المواطن، لئلا تطمع فيه الشياطين.. وليعلم أن من تلك المواطن: مجالس الغافلين المسترسلين في الباطل الذين قال عنهم القرآن الكريم: (.... وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
إن الذي قلناه بمجموعة، لا ينبغي أن يوجب اليأس أبدا.. وإنما ذكرنا هذا الجو الموحش لأمور.. فإما أولا: ليسعى الإنسان أن يلقن نفسه عداوة هذا الموجود الذي لا يترك الإنسان بحال ولو تركه الإنسان.. وثانيا: ليستكشف مواطن الضعف في نفسه، إذ أن لكل إنسان نقطة ضعف ينفذ من خلالها الشيطان، ومن تلك المنافذ: النساء، والغضب، والمال، والشهرة.. وثالثا: ليشتد التجاؤه إلى المولى الذي لم يخرج الشيطان من دائرة العبودية التكوينية له، إذ ناصيته بيده على كفره وعناده، ولو شاء لأبعده عن وليه، كما أبعد الشياطين عن السماء التي (مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) كما ذكره القرآن الكريم، فهل تعوذنا -مع صدق وتضرع- بالاستعاذات اليومية، كما كان يفعلها النبي الأعظم (ص)؟..